راهنية اللينينية (بمناسبة الذكرى الـ150 لميلاد لينين)

نجم الدين الخريط:

في الثاني والعشرين من شهر نيسان هذا العام تصادف الذكرى المئة والخمسون لميلاد الزعيم والقائد الثوري فلاديمير إيليتش لينين، المعلم العبقري الذي بفكره النظري الشامل وبعمله الثوري، طوّر الماركسية وأغناها، وأصبحت الماركسية_ اللينينية، وأسس حزباً من طراز جديد، حزباً طليعياً، فجّر ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، وبنى أول دولة اشتراكية في التاريخ.

لقد كُتب عن لينين كثيرٌ من الكتب والمقالات، وتُرجمت معظم أعماله إلى العديد من لغات العالم، ودُرست وماتزال تدرس في العديد من الجامعات والمعاهد العلمية ومراكز البحث العلمي والمدارس الفكرية والسياسية.

وكما كان لينين هو عقل ثورة أكتوبر وقلبها، كان كذلك ملهماً ومرشداً لكثيرين من قادة ومناضلي الأحزاب الشيوعية والعمالية والاشتراكية، وقادة حركات التحرر الوطني في جميع أنحاء العالم، سابقاً وفي الوقت الحاضر، وقد شكلت كتاباته وما زالت تشكّل إحدى المرجعيات الفكرية والنظرية للثوار والأحرار في العالم.

وتتميز مؤلفات لينين بالغزارة والراهنية، فقد بلغت مؤلفاته النظرية أكثر من 9 آلاف مؤلَّف، وكما لا تكفي أسطر محدودة للحديث عن قائد ثورة أكتوبر وباني أول دولة في التاريخ يحكمها العمال والفلاحون، عملت لإلغاء استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، ولتحقيق العدالة الاجتماعية والتآخي بين الشعوب، كما ساهمت جدياً في إزالة نظام الحكم الاستعماري وفي تحقيق استقلال عشرات الدول والشعوب ونهوض العالم الثالث ومساعدته على بناء اقتصاد وسيادة وطنيين، كذلك لا يمكن في مقالة أن نقدم عرضاً تاماً وافياً لموضوع راهنية أفكار لينين في مختلف القضايا الفكرية والسياسية والحزبية والتنظيمية.

لقد تعددت أفكار لينين من حيث موضوعاتها وأهميتها إطار الوضع والزمن الذي كتبت فيه، وتجسدت راهنيتها اليوم في الكثير من القضايا التي طرحها والمهام التي تصدى لحلها، والتي مازالت شاخصة أمام شعوب غالبية بلدان العالم، وأمام الأحزاب الشيوعية والعمالية في العالم، وإن كان في أشكال أخرى ومختلفة تتمشى مع المرحلة المعاصرة من التطور العالمي، ومع ظروف كل بلد من بلدان العالم.

لقد ساهم لينين بتطوير الماركسية في ظروف القرن العشرين، مع تطور الرأسمالية وتطور الاحتكارات العالمية، وصاغ موضوعات عديدة فضح فيها وعرى جوهر الإمبريالية، وأكد ضرورة محاربتها واستبدالها بنظام آخر، لا استغلال فيه ولا حروب ظالمة، هو النظام الاشتراكي.

لقد بيّن الأسس الاقتصادية والسياسية للنظام الذي يولد الحروب الاغتصابية غير العادلة، وقال: (إن الحروب الإمبريالية هي أمر محتوم إطلاقاً على هذا الأساس الاقتصادي طالما بقيت وسائل الإنتاج ملكاً خاصاً). ثم تابع يقول: (لقد آلت الرأسمالية إلى نظام عالمي لظلم الأكثرية الكبرى من سكان الأرض استعمارياً وخنقها مالياً من قبل قبضة من البلدان (المتقدمة)، ويجري اقتسام هذه (الغنيمة) بين ضاريين أو ثلاثة ضوارٍ أقوياء في النطاق العالمي، مسلّحين من الرأس حتى أخمص القدمين.. يجرون الأرض برمتها إلى حربهم من أجل اقتسام غنيمتهم (1)).

أليس هذا ما يجري حالياً؟ ألا تعمل الدول الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة على إعادة استعمار عدة دول في العالم وخنقها مادياً، بما يسمى الحصار الاقتصادي والعقوبات الاقتصادية، والأمثلة على ذلك في وقتنا الحاضر كثيرة: إيران، سورية، كوريا الديمقراطية، كوبا، فنزويلا … وغيرها؟

ألا تعمل الولايات المتحدة الأمريكية اليوم لجر العالم إلى حروب عالمية من أجل استمرار سيطرتها والاحتفاظ بهيمنتها كقطب وحيد على السياسة والاقتصاد الدوليين؟ من هنا نستطيع القول: (يبقى استنتاج لينين أن الحرب سمة جوهرية للمرحلة الإمبريالية، وجزء من طبيعتها دقيقاً وسليماً.. فالسياسات التوسعية للإمبريالية تفرض عليها أن تبقى في حالة حرب دائمة، وعليها أن تجد أو تصطنع دائماً عدواً لمحاربتها (2)).

لقد فضح لينين جوهر الإمبريالية – الذي لم يتغير- وعرّى طابعها الطفيلي العفن: (إن الطفيلية والتعفن ملازمين للرأسمالية في أعلى مراحلها التاريخية، أي مرحلة الإمبريالية (3)، وهذا ما أثبتته التطورات والأحداث الأخيرة التي يمر بها العالم، وبضمنها مسألة ضعف تصدي الدول الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لانتشار فيروس كورونا، وتهربها من المواجهة الفعلية لهذا الفيروس، بإلقاء التهم على هذا البلد أو ذاك.. وبتعليق دعمها ومساعدتها لمنظمة الصحة العالمية التي هي الآن بأشد الحاجة للدعم المالي.

لقد استرشد حزبنا بأفكار لينين، وتعامل معها كأداة عمل لا كعقيدة جامدة في معالجة كثير من القضايا الفكرية والسياسية والحزبية والتنظيمية التي جابهها عبر تاريخه الطويل، وهو يسترشد بها في فهم ومعالجة الكثير من المسائل التي يجابهها في هذه المرحلة التاريخية الهامة من تطور البلاد، بكل ما تمتاز به من صعوبات وتعقيدات.

وبهذه المناسبة الغالية، الذكرى الـ150 لميلاد لينين، نقول: كما طور لينين أفكار ماركس، لابد من قراءة أفكار لينين قراءة جديدة تتناسب مع ظروف العصر الراهن، ولابد من تطوير النظرية الماركسية – اللينينية، وهذه مهمة أساسية أمام جميع الأحزاب الشيوعية في العالم، ومنها حزبنا الشيوعي السوري الموحد.

(الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد)

******

المراجع

1- لينين: الإمبريالية أعلى مرحل الرأسمالية- ص 9، ترجمة إلياس شاهين، دار التقدم، موسكو.

2- وثائق المؤتمر الثالث عشر للحزب الشيوعي السوري الموحد، المنعقد بتاريخ 28-30/11/2019.

3 – لينين- الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية ص 13.

العدد 1104 - 24/4/2024