هل حان وقت الاهتمام بمن يعانون في مخيمات النازحين في دول الجوار السوري؟ وهل من إمكانية لإغلاق هذا الملف، وفتح باب المصالحات الوطنية وقطع الطريق، على المستثمرين بالدم السوري؟

محمد علي شعبان:

نقل لي أحد الاصدقاء في ثمانينيات القرن الماضي، حديثاً دار بينه وبين أحد أفراد المعارضة العراقية، لنظام صدام حسين، عندما كان متخفّياً في سورية.

حين قرر العودة إلى بغداد، بعد سنة من بداية الحرب المجنونة، التي اندلعت بين العراق ومن يدعمها من جهة، وإيران ومن يدعمها من جهة ثانية. ولا تستغربوا أيها الأصدقاء، أن بعض الأطراف العربية هي من كان يقدم الدعم والتمويل للطرفين المتحاربين، بغية استمرار الحرب بينهما، وإضعاف الطرفين في آن واحد، إما رغبة منهم، أو بطلب وتكليف من الإدارة الأمريكية، من أجل تهيئة الأجواء وخلق مناخات مناسبة، لمشروع الشرق الأوسط الجديد بالمنظور الأمريكي، الذي كان يحضَّر في غرف صنّاع القرار في الإدارة الأمريكية.

وبالعودة إلى حديث الصديق الذي روى قصة هروب صديقه من ظلم النظام الديكتاتوري في العراق، وعن أسباب اتخاذ قراره المفاجئ بالعودة إلى بغداد، رغم أن الرئيس العراقي صدام حسين، مازال حاكماً للعراق وبذروة العنجهية والصلافة، التي كان يتمتع بها.

لكن الصديق العراقي، قرر العودة بعد أن عاش سنة كاملة من العذاب النفسي والمعنوي بسبب غيابه عن وطنه، الذي يتعرض لحرب خارجية من دولة جارة، رغم قناعته بعدم صوابية موقف السلطة العراقية في حينه.

لكنه قرر العودة، ليدافع عن وطنه في حرب غير مقتنع بها أصلاً.

ذكرت هذه الحادثة، كي أقول: بعد تسع سنوات حرب على سورية، وظهور أن معظم الأسباب التي قامت من أجلها الحرب، قد فقدت مبرراتها، من قبل بعض السوريين الذين اكتشفوا أن مطالبهم في العيش بحرية وكرامة، كما وعدتهم بها الأطراف الخارجية التي ضللتهم، أصبحت في مهب الريح، لأن الدول التي كانت تدعمهم، لا يعنيها حرية السوريين ولا كرامتهم كما كانوا يرددون، بل كان يعنيها أشياء أخرى بالتأكيد لا تتوافق مع مصلحة الشعب السوري، والدولة السورية. وبسبب التغيرات التي حصلت على أكثر من صعيد، غابت مفردات (الثورة) وحلت مكانها مفردات الأزمة. وأثبتت للعيان أنها (ثورة مضادة) بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وبعد أن أهملت كل المطالب الحقوقية، والسياسية، والاجتماعية، وأصبحت بعض الأطراف الداعمة (للثورة المضادة) تعمل على مشاريعها الخاصة، التي لا يمكن تحقيقها إلا بالعمل على إضعاف الدولة السورية.

والمؤسف أن جزءاً كبيراً من المعارضة السورية موجودون على الأراضي السورية ويعيشون من خيرات الوطن السوري، ويعملون لصالح أطراف خارجية إقليمية ودولية عدوة للشعب السوري.

وجزء آخر من المعارضة يعيش خارج الحدود، ويتنعم بالدولار والريال، مبرراً العدوان التوسعي الاحتلالي للأراضي السورية، من قبل دولة جارة مثل تركيا، ضارباً عرض الحائط بجميع القيم الإنسانية، والاجتماعية، والأخلاقية، والوطنية.

أقول لأولئك:

ليس هكذا يتصرف البشر. والأفضل أن نقول ليس هكذا تورد الإبل!

إن ما تفعلونه هو ليس جريمة واحدة فقط.

إنها عدة جرائم، لا تقبلها ثقافة وأخلاق وشرائع الشعب السوري، الذي تدعون الدفاع عنه.

إن التعامل مع المحتل والعمل تحت سلطته، لا يقرها قانون في العالم.

والطلب من العدو غزو وتدمير مقدرات الدولة التي تنتمي إليها، لمتحصل في مكان بالعالم، إلا عندما حصلت في لبنان مع جيش لحد، وجميعكم يعرف نهايته. إن العمل والتعامل مع أطراف دولية أو إقليمية لسرقة ونهب مقدرات الشعب السوري، هي جريمة وطنية بامتياز لا يمكن السكوت عنها.

لكن بعد انكشاف الأطماع التركية بالأراضي السورية، كنا ننتظر من بعض المعارضين السوريين، الذين يعيشون في دول عربية وأجنبية، العودة إلى الوطن بغية الدفاع عنه، ومنع الأطراف الطامعة، من تحقيق تطلعاتها، والبحث عن آليات جديدة تذلل العقبات، وتفتح آفاقاً باتجاه حل الأزمة التي عصفت بالوطن، ودخلت بالسنة العاشرة من عمرها، أسوة بالصديق العراقي الذي اتخذ قراراً شجاعاً في لحظة تاريخية مفصلية.

كلنا يعرف إمكانية فعلكم خارج الحدود. وجميعنا يعرف أنكم مضطرون للعمل لصالح البلدان التي تعيشون فيها في المقام الأول. ونعرف أيضاً أن ليس بمقدوركم أن تقولوا: لا، لوليّ نعمتكم الذي يتحكم بحياتكم ومصيركم.

لذلك نشجعكم على العودة واتخاذ قرار شجاع تتغير بموجبه أشياء كثيرة، لصالحكم ولصالح الوطن.

إن تحويل جزء ليس بالقليل من الشعب السوري إلى مرتزقة، تعمل لخدمة النظام في تركيا، من أجل إرضاء غرور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعنجهيته، الذي انكشفت أطماعه التوسعية ليس في سورية وحسب، إنما أطماعه في عدة دول عربية، من أجل عودة السلطنة العثمانية التي رزحنا عدة قرون من التخلف تحت سلطتها، ودفعت شعوبنا العربية الأثمان الباهظة اقتصادياً، واجتماعياً، وسياسياً، في ظل ذلك الاحتلال الجائر لوطننا العربي. إن ذلك هو وصمة عار لا يمكن قبولها.

إن الضحايا من السوريين الذين ضُلِّلوا، وغُرّر بهم، واضطروا للنزوح إلى مخيمات اللجوء، سواءً في لبنان، أو الأردن، أو تركيا، معظمهم يعيشون أوضاعاً مأساوية، في تلك البلدان، التي تستثمر وجودهم على أراضيها، سواءٌ لابتزاز المجتمع الدولي، للحصول على مزيد من المساعدات، أو من أجل تغيير ديمغرافي في بعض البلدان، أو بتحويلهم إلى مرتزقة كما فعل الرئيس التركي، بالجنود الذين أرسلهم إلى ليبيا، لتعميق الانقسام بين الأطراف الليبية المتصارعة على السلطة، وكأنه يتصرف كالوالي العثماني الذي كان في هذه البلدان.

إن أغلب السوريين الموجودين في مخيمات اللجوء، ليس خيارهم البقاء فيها. لكن معظمهم ليس عنده خيار، لأسباب تعرفونها. ودون الدخول بتفاصيل حياتهم القاسية والمعقدة، فإنهم يعيشون حالة الخوف المزدوج.

الخوف من البقاء، وما ستصل إليه الأمور ومستقبلهم المجهول، وعجزهم المطلق عن إمكانية اتخاذ قرارات، قد تجد العديد من الإعاقات تجاه تنفيذها، من قبل المشرفين على المخيمات والمستثمرين لوجودها.  

وخوف من العودة إلى الوطن، في ظل غياب تطمينات كافية من قبل السلطات تشجعهم على العودة.

إن جزءاً مهماً من الذين نزحوا إلى مخيمات اللجوء لم يختاروا وجهتهم بسبب طبيعة وظرف ساعة النزوح. لذلك يجب التفريق والتمييز بينهم، وبين تجار النزوح، لأن أسباب النزوح، ليست طوعية عند بعضهم.

لقد قلت في مقال سابق إن هؤلاء مازالوا متمسكين بانتمائهم للدولة السورية، وينتظرون اللحظات المناسبة لعودتهم. فهل من مبادرات جديدة تعيد الاعتبار لعدد كبير في المخيمات، يعيشون ظروفاً صعبة يستحقون المساعدة والاهتمام؟

العدد 1102 - 03/4/2024