هل تشهد تركيا انقلاباً عسكرياً؟

د. صياح عزام:

 أشار تقرير صادر عن مؤسسة (راند) الأمريكية حول تركيا، إلى أن قلقاً كبيراً يعتري صفوف الضباط من الرتب المتوسطة في الجيش التركي، الذين طالتهم التصفيات الواسعة النطاق منذ محاولة الانقلاب العسكرية ضد نظام أردوغان في عام ،2016 خاصة أن السلطات الأردوغانية لاتزال تعلن يومياً عن اعتقال العشرات من الضباط داخل المؤسسة العسكرية، بتهمة الانتماء لتنظيم (فتح الله غولين) الموجود في الولايات المتحدة الأمريكية، والمتهم بأنه وراء محاولة انقلاب 15 تموز عام 2016.

ومما زاد في النقاش داخل المجتمع التركي حول احتمالات الانقلاب العسكري، هو أن تقرير مؤسسة راند تحدث عن ضرورة استمرار التواصل والتنسيق مع جهة أساسية في تركيا هي رئاسة الأركان ووزارة الدفاع التي يتولاها في هذه الأيام رئيس الأركان السابق خلوصي أكار.

ويرى التقرير أن على الولايات المتحدة مواصلة تقديم الدعم العسكري التدريبي والمفاهيمي الخاص بالعقيدة العسكرية للجيش التركي لعشر سنوات مقبلة على الأقل، وهي المدة التي ستبقى فيها تركيا بحاجة إلى الدعم العسكري الأمريكي.

مثل هذا القرير يؤكد أن واشنطن لاتزال ترى أن التعاون العسكري لايزال يشكل عصب العلاقات الثنائية، وأن تركيا لاتزال بعين الإدارة الأمريكية تعد (حليفاً عسكرياً) قبل أي شيء آخر، وهو ما كانت عليه فعلاً على امتداد فترة الحرب الباردة.

وقد جاءت تصريحات رئيس الأركان السابق إيلكير باشبوغ حول اعتراضه عام 2019 على تعديلات قانونية تسمح بمحاكمة العسكريين الذين يرتكبون جرماً في أماكن عملهم العسكرية أمام المحاكم المدنية، واعتباره ذلك من فعل جماعة فتح الله غولين، لتفتح النقاش مجدداً حول الجهة السياسية التي كانت تشكل رافعة لتنظيم غولين في الداخل التركي، حيث تتبادل الأحزاب السياسية الاتهامات، وتتهم المعارضة حزب العدالة والتنمية بأنه كان القدم السياسية في الداخل لجماعة فتح الله غولين، وقال باشبرغ: (إنه حذر حينها من أن من يعمل اليوم ضد المؤسسة العسكرية سينقلب غداً على من يتعاون معه)، وذلك في إشارة صريحة إلى حزب العدالة والتنمية.

وقد أثارت تصريحات باشبرغ قبل أيام غضب أردوغان الذي توجه إليه أصابع الاتهام بأنه هو الذي سمح لغولين بكسب هذا النفوذ في سنوات حكم حزب العدالة والتنمية.

بناء على هذه المعطيات، تجدد النقاش حول احتمال حدوث محاولات القيام بانقلاب عسكري، ويكتسب هذا النقاش المزيد من المصداقية مع حالة عدم توقف عمليات الاعتقال داخل الجيش التركي لعناصر عديدة تنسب إليها تهمة التعاون مع صفوف فتح الله غولين، إذ تستمر عمليات التصفية والاعتقال بين صفوف ضباط الجيش التركي، وهذا يعني أنه مهما كثرت أعداد المعتقلين سيبقى ا لجيش يختزن من العناصر المعارضة لأردوغان ما يكفي لتنفيذ انقلاب عسكري.

ولكن في الوقت نفسه يستخدم مسؤولو حزب العدالة والتنمية النقاش عن احتمال وقوع انقلاب عسكري في التهويل والتحريض. وعلى سبيل المثال يقول سليمان صويلو، وزير داخلية النظام التركي: (إنه ليس هناك من لديه القدرة على القيام بانقلاب عسكري، لا كأشخاص ولا كمؤسسات، وإن أي محاولة انقلابية هذه المرة لن تجد من ينقذ أصحابها والذين يحرضون عليها).

ويرى العديد من المراقبين أن شائعات الانقلاب العسكري تستهدف إضعاف موقف تركيا في ثلاث قضايا، وهي سورية، وليبيا، وشرق المتوسط، إذ تخوض تركيا عدواناً منظماً وصراعاً مكشوفاً من أجل مصالحها واستعادة الأمجاد العثمانية البائدة.

ويرى البعض أن تقرير مؤسسة راند يهدف إلى تمزيق الجيش التركي، وإعادة الوصاية العسكرية على الجيش التركي، وصولاً إلى الهدف النهائي وهو خلع أردوغان، ولهذا يستخدمون أساليب متنوعة لتنفيذ ذلك.

والسؤال:

هل تركيا فعلاً على أبواب انقلاب جديد ومتى؟ أم أن كل ذلك مجرد شائعات في لعبة الصراعات الداخلية والإقليمية والدولية؟ ولكن يرجح المراقبون أنه في كل الأحوال أوضاع أردوغان ليست على ما يرام في الداخل والخارج.

العدد 1104 - 24/4/2024