الشعب الصيني يستحق الحيــاة

سامي أبو عاصي ــ بكين:

وكأن قدر هذه البلاد أن تبقى في حالة المواجهة، وهذه المرة ليست مع عدو خارجي ألفته واعتادت على حيله وألاعيبه، أو مشاكل داخلية تتعلق بمسيرة التنمية طويلة الأجل.

إنما هذه المرة مع عدو بمواصفات مختلفة لا تدرك من أيّ مكان سوف يخرج، ولأيّ مكان سوف يستقر، أنه الوباء الذي حلّ عليها منغصاً على أبناء هذا الشعب الطيب احتفالاتهم بعيد الربيع.

هناك أخبار وشائعات كثيرة تدور حول الموضوع ذاته، ولكن ما هو أكيد وما هو جدير بالاحترام والتقدير هو ما تقوم به الحكومة الصينية من إدارة للأزمة. فمن إجراءات العزل التي طوقت بها مدينة ووهان حتى بدء العمل بتنفيذ المشفى (المعجزة) خلال عشرة أيام، إلى وصول رئيس الحكومة الصينية إلى مدينة ووهان  للأشراف بنفسه على تطورات الوضع وللوقوف مع أبناء هذه المدينة المنكوبة.

هذه المدينة التي لا يخرج أبناءها من بيوتهم إلى عند الضرورة القصوى، وجدوا أنفسهم مدفوعين لأن يهتفوا من شرفات منازلهم (في مظهر تراجيدي حقيقي)  لتحية الكوادر الطيبة التي توجهت من مختلف أنحاء البلاد الشاسعة لتكون في الخطوط الأمامية، لا أن تهرب وتترك العبء على غيرها.

حتّى هذه اللحظة فإن الحكومة الصينية تتعامل مع الموضوع بمنتهى الشفافية التي تكون صادمة أحياناً، فعلى مدار الساعة هناك تحديث لعدد المصابين وفي أي مناطق يتوزعون، وفي المقابل إحصاء للذين تعافوا، وأخيراً لمن فارق الحياة.

هذه الشفافية وهذه الإجراءات المتخذة دفعت رئيس برنامج الطوارئ الصحية بمنظمة الصحة العالمية (مايك ريان) لأن يقول: (تضع الحكومة الصينية صحة شعبها في المرتبة الأولى، عندما تسعى الحكومة للمساهمة القصوى والشفافية فمن الممكن الانتصار على الوباء) ويضيف بعد زيارته للصين التي نفذها برفقة المدير العام لمنظمة الصحة العالمية: (خلال زيارتنا للصين شهدنا مساهمات الحكومات الصينية على مختلف المستويات، أنا والمدير العام لمنظمتنا لم نشهد أبداً جهوداً ومساهمات على هذا النطاق لكبح الوباء، إذ تقدم مختلف القطاعات المعنية الدعم والمساعدات القصوى لمدينة ووهان ومقاطعة هوبي، وتظهر آلية الطوارئ الإدارية خصائص التنظيم الفعالي العالي).

نحن الطلاب الدارسين في الجامعة الدولية للتجارة والأعمال في بكين، يومياً في الصباح الباكر يطرق باب غرفنا من قبل أحد العاملين في إدارة السكن لقياس درجة حرارة كل واحد فينا وتدوينها لتعاد الكرة مرة أخرى في المساء، إلى الإجراءات الأخرى التي تم تعميمها بعدم الخروج من السكن من غير ارتداء الكمامة، وصولاً إلى القرار الأخير الذي اتخذته الجامعة بإغلاق أبوابها وتوفير جميع الاحتياجات الأساسية من داخل الجامعة حفاظاً على سلامة الموجودين ومنعاً من الاحتكاك مع الآخرين  في الخارج وزيادة فرص العدوى .

تنتشر يومياً عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تظهر المقدار الكبير من نكران الذات الذي يقدمه الشعب الصيني في أزمته الحالية، من مختلف الجبهات يعمل الصينيون في سباق مع الزمن وفي سباق مع هذا الفيروس المركب المعقد الذي قد يجد التفسير الأولي لبروزه من الحيوانات البرية، فيما يذهب البعض الأخر نحو تحليلات أخرى تصب تركيزها  عمن يعمل ليل نهار لأن يقوض مسار التنمية المتصاعد الذي تشهدها البلاد بعد أن فشل في إثارة النزاعات الداخلية فيها.

إلى أن تنكشف الحقيقة، وإلى أن يكتشف الأطباء الدواء الناجع لمكافحته، تبقى أنظارنا وقلوبنا مع هذا الشعب الطيب الصلب المكافح من أجل الحياة الكريمة.

العدد 1102 - 03/4/2024