كي لا ننسى | إبراهيم طويلة.. مناضل انبثق من صفوف الشعب

يونس صالح:

نعود مرة أخرى إلى حمص، هذه المدينة الغنية بتقاليدها الديمقراطية والثقافية، كثر هم الذين أنجبتهم وتركوا بصماتهم واضحة وجليلة عن تطور الحركة الوطنية والاجتماعية والفكرية والثقافية في البلاد، وكثر أيضاً هم أولئك الذين كرسوا حيواتهم الواعية للنضال من أجل مستقبل أفضل للشعب، وغذوا بعرقهم ودمائهم جذور شجرة الحرية النامية باستمرار على أرض هذه البلاد الطيبة والمعطاء.

إننا لن ننسى أبداً ابن حمص البار سعيد الدروبي في ريعان شبابه والذي صمد باعتزاز أمام ضراوة التعذيب كي لا تنكس في سماء سورية راية الحرية، إننا لن ننسى الكثيرين من أبناء هذه المدينة الباسلة، الذين دافعوا دون ضجة وبصمت عن مصالح شعب سورية الشغيل، ومن أجل ذلك دخلوا السجون والمعتقلات، غير عابئين بمصالحهم الشخصية.

إلى هؤلاء جميعاً، ينتمي الشيوعي والوطني ابراهيم طويلة، الوجه النقابي، الذي تمتد جذوره عميقاً في هذه المدينة الطليعية الغارقة في الظلال، ولد هذا الرجل، هذا المناضل عام ،1923 من عائلة تنتمي إلى من يعيشون بعرق جبينهم، وعاصر في فتوته جميع نضالات الشعب السوري من أجل الاستقلال، وكان من الذين استقبلوا بحرارة جلاء القوات الفرنسية عن الأرض السورية، هو وحزبه الذي ساهم مساهمة غنية في تحقيق هذا الإنجاز التاريخي للشعب في الأربعينيات، ينتسب ابراهيم طويلة إلى الحزب الشيوعي السوري، ويصبح أحد أعضائه النشطاء، ويشترك مع رفاقه في النضال من أجل تعزيز وترسيخ استقلال سورية، والوقوف بكل شجاعة ضد المحاولات التي كانت تجري من قبل المستعمرين السابقين، لربط سورية بالأحلاف الاستعمارية المختلفة، التي كانت ستقوض لو تمت الاستقلال الحقيقي للبلاد.

شارك في المظاهرات الجماهيرية، وفي سنوات الديكتاتوريات المتعاقبة اعتقل مرات عديدة، وتعرض للتعذيب، إلا أن هذا الأمر لم يزده إلا صلابة وإيمان بعدالة القضية التي وهبها حياته.

عمل في صفوف النقابات، وكان خير ممثل للفئات الكادحة، وخير مدافع عن قضاياها المحقة، لم يكن هذا المناضل في عنفوان نشاطه الفائر، يسعى للمجد الشخصي، ولقد بقي ذلك الإنسان المتواضع، الذي كان يؤكد باستمرار على أنه لا يقوم إلا بواجبه تجاه كادحي بلاده.

وفي أسرته كان مثالاً للشيوعي الذي ربّى أبناءه بروح الاستقامة والإخلاص للشعب. كان منزله منزل يجمع رفاقه، كان بيتاً للشيوعيين، ولقد وهب حياته للنضال من أجل الوطن والعدالة الاجتماعية، وبقي مخلصاً لذلك حتى النهاية.

في 3 آذار عام 199 يغادر الحياة هذا الابن البار لمدينة حمص، تاركاً إرثاً نضالياً سيبقى ملكاً للأجيال المقبلة، التي ستتابع مسيرته الشاقة، لكن النبيلة، التي يجب أن تبقى في الذاكرة، وأن لا تطويها الأعوام.

 

العدد 1104 - 24/4/2024