عن الشباب السوري.. الخذلان واليأس

صفوان داؤد:

يبقى موضوع الشباب من أكثر المواضيع ديمومة وإلحاحاً في كل المجتمعات, وموضوعاً ساخناً وقابلاً للنقاش الدائم لدى مسؤولي ومتخذي القرار في أيّ بلدٍ كان. لكن هل الإدارات والمؤسسات ومتخذي القرار في سورية في ظل الظروف الحالية الصعبة يأخذون هذا الموضوع إلهام للغاية على محمل الجد, حيث أننا نلاحظ عدم الإهتمام أو الغياب العام لقضيتهم سواء بالنقاشات أو الحوارات التشريعية, باعتبارهم كتلة اجتماعية لها خصائصها وهواجسها وطموحاتها الخاصة, كتلة هي الأكثر تأثيراً في تحرك المجتمع, في نهوضه أو انكساره, وبوصفهم القوة الأساسية القادرة على التغيير والفاعلة في الشارع, كما نشاهدها الآن في العراق ولبنان والجزائر.

لقد كشفت الأزمة السورية، مدى سوء السياسات التي أُتبعت حيال فئة الشباب, وكم كانت خاطئة وبعيدة عن الواقع.

ولم يتعلق هذا السوء بخلل النظام السياسي فحسب، إنما أيضاً بسياسة التهميش المقصودة تجاه هذه الفئة، في تحطيم آمالهم, في بناء أنفسهم وبناء مجتمع قادر على أن يعبر عن مصالحهم.

وكان من ضيق ومحدودية الخيارات أمام الشباب، ضعف سوق العمل, انهيار العملية التعليمية, انتشار الأعمال المُخلّة بالقانون وانتشار الأصولية الدينية، وإلى الهجرة أو النزوح.

هكذا يجدر بالقوى السياسية والأكاديميين والمختصين الاجتماعيين الأخذ بعين الاعتبار تطور الظاهرة الشبابية بوصفها محرك فاعل ومحفز على التغيير السياسي والاجتماعي, بالرغم من تمييز فروقات عديدة بين هذه الحركات لكل دولة على حدى.

وفي حضور ثابت لتكنولوجيا الاتصالات وثورة المعلومات التي تتمأسس عليها تكتيكات (ثورية) جديدة غير مألوفة للحكومات والأنظمة البيروقراطية الحاضرة عموماً في الدول النامية, تبدو الحركات الشبابية ذات قوة وقدرات متزايدة وقادرة على اقناع الشرائح الأوسع من الجمهور, ولا نبالغ أنها في طور أو أنها قد حققت تحولات بنيوية في علاقة الدولة بالمجتمع كما حصل في تونس. وأثرت, أو على الأقل هددت من طبيعة التحالفات الانتهازية لقوى السلطة مع القوى الخارجية كما نلاحظه الآن في العراق.

كما كشفت للعلن الاستراتيجيات الساذجة للحكومات الرسمية, في عجزها وضعفها وعدم أهليتها لمواجهة التغيرات السيكولوجية والسوسيولجية الجمعية والحاجات الاقتصادية والإنسانية الأساسية لفئة الشباب, وعدم تقديرهم أو عدم قدرتهم على تفهم حقوقهم ومطالبهم, بل على العكس الإمعان في الإبقاء على التهميش الممنهج لهذه الشريحة وإقصائها بلتذاكي والتكبر على طموحاتها واعتبارهم أداة أو أرقام لمحرقة الحرب أو دورة الفساد خاصتهم. وهذه الشريحة – رغم نكسات وتوظيفات الربيع العربي-  ستعود وستنجح في تحطيم القناعة الشعبية القائلة بعدم جدوى الاحتجاجات. فالنماذج التاريخية تشير وتؤكد أن النماذج الاستبدادية طالما هي مناقضة للطبيعة الإنسانية القائمة على العدالة والمساواة, ستكشف عن اضطرابات وأزمات اجتماعية مستمرة ولو بعد حين. وليس الشباب صحيفة بيضاء تستطيع السلطة أن تكتب عليها نصها البيروقراطي كيفما تشاء, بل الشباب بوصفهم ممثلين لزمنهم ومنعكساً للحظة تاريخية بشرية, هم كتلة مشحونة بالطاقة والآمال الكبيرة. وهي لن تكون سوى مسألة وقت حتى تعم الانتفاضات الشبابية معظم بلدان الشرق الأوسط.

فالثابت حالياً أن هذا الجيل هو جيل محبط للغاية ويشعر بحالة من اللايقين تجاه مستقبله, ويملك تحدي وإرادة متنامية لمواجهة الواقع السياسي الانتهازي للسلطات الحاكمة. وأنه استطاع في عدد من دول الشرق الأوسط, وبطريقة ما نقل مخرجات الفعل الثوري من العمل السياسي التقليدي ضمن الأحزاب الكلاسيكية إلى الحركات الاجتماعية, وتجاوز بشكل يدعو للدهشة الأشكال والأدوات التقليدية للعمل الحزبي والسياسي المعروفة, مستخدماً طرق التحشيد وصوغ الأهداف باستخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي, واستطاع نتيجة اضمحلال وبدائية وسائل السلطة في مواجهة تغيرات العصر من تجاوز العوائق الأمنية و(العقابية) لها, واثبات حضورهم في الشارع.

إن تأثيراتٍ تفكيكية لمفاهيم الولاء والانتماء قد حصلت تحت ضغط العولمة وثورة المعلومات التي يقودها الشباب, وأدت بشكل متسارع إلى خلل في قدرة السلطة على التحكم الاجتماعي. ووجدنا أن الرغبة في الرخاء والرفاه هي الحيثية الأكثر ممانعة للإلغاء عند جيل الشباب السوري, ولا يمكن أبداً للحكومات القائمة أن تتجاوزها بأيّ شكل, فهي تتقدم, ليس فقط على الميول القومية بل حتى على النزعة الوطنية.

غير أن السلطات الحاكمة في الدول وفق إيقاعها الاستبدادي، مدركة تماماً لروح العولمة, التي لا يمكن الهروب منها, وأنه يجب بطريقة ما التلاعب بتأثيراتها وتوظيفها كشكل جديد للقوة والسيطرة، لذلك قامت بإخضاع وسائل التواصل الاجتماعي لعملية إدارة – لو بالحد الأدنى- بوصفها منظومة للتوظيف وفق حاجات حماية السلطة, بمعنى من المعاني إدارة هذه الوسائل والتحكم بها هي من حيث الهدف, مثلها مثل الصحافة والنقابات, والمناهج وغيرها، لكن على المدى المتوسط لن تستطيع غالباً الإحاطة بها ، سينجح جيل الشباب  في تغيير الأوضاع طالما أنه لا يستطيع تجاوز غياب حقوقه  المُحقة.

العدد 1104 - 24/4/2024