كي لا ننسى | رضا عبد النور.. وهب حياته للتطور التقدمي

يونس صالح:

في ريف حمص، الضارب بالقدم، المصطخب عبر التاريخ، وفي إحدى قراه المنسية (فيروزة) التي عانت من جور الإقطاع وأزلامه الكثير، أبصر النور في أواخر الثلاثينيات من القرن الماضي عام 1937 طفلٌ سيصبح فيما بعد أحد مكونات الحركة الديمقراطية والعمالية التي كانت ناشطة جداً في هذه المدينة ذات التراث التقدمي العريق.

في ذلك الزمن غير البعيد كان الواقع الاجتماعي في هذه القرية لا يختلف عن أمثاله في أغلبية قرى المحافظة، علاقات إقطاعية مهيمنة على الريف الذي كانت تتملكه عدة عائلات معروفة، وكان الفلاحون يعانون من الاضطهاد والظلم الشديدين على أيدي أزلام هذه الطبقة التي عاشت وتنعمت على كدح وفقر آلاف الكادحين من الفلاحين.

ولقد رأى هذا الطفل منذ نعومة أظفاره معاناة أهله وجيرانه، وكانت تهزه إلى الأعماق تلك المظالم التي كان يتلمسها ويعيشها بنفسه. كانت حمص تعيش في ذلك الزمن وضعاً صاخباً ومتوتراً، الجميع يبحث عن حلول لمشاكل الفقر والصحة والتعليم والحريات والكثير غيرها.. وكانت الاتجاهات متعددة والآراء متضاربة في هذا المجال، إلا أن اليافع رضا عبد النور الذي شب في هذا المعترك العاصف، قد وجد طريقه إلى الحزب الشيوعي السوري، منطلقاً من حسه الطبقي والاجتماعي والوطني، وبتأثير من الحركة العمالية الناشطة آنذاك بقوة متزايدة.

في أوائل الخمسينيات انتسب إلى صفوف الحزب وهو في ريعان الشباب، وكان ذلك أمراً طبيعياً، فهو ابن بيئته، لقد انتظم في صفوف الحزب الشيوعي كعاشق لفكرة العدالة، وكان صادقاً وعفوياً في انتمائه لكادحي بلاده، وسيظل هذا الشاب طوال مراحل حياته مخلصاً لما آمن به حتى النهاية.

ومنذ انتسابه للحزب، أعطى كل قواه لخدمة القضية التي اعتبرها محتوى لحياته بأسرها. كان لصيقاً بالناس، وكانت هذه الصلة تتعمق باستمرار، مع ازدياد تجربته النضالية وغناها.

لقد انخرط بعقله وفكره في خضم الصراع الذي كان دائراً حول مستقبل البلاد، ولم يبخل بأي جهد في الإسهام بكل النضالات التي كانت تناط به.

مساهمته في النشاطات المطلبية والاجتماعية والثقافية في منظمة حمص الشيوعية كانت غنية، ولقد عرفته كل القوى الشعبية والسياسية في المحافظة مناضلاً مبدئياً ومستقيماً لا يكلّ في الدفاع عن مصالح الفئات المحرومة من الشعب وعن مصالح الوطن والشعب بصورة عامة. كان منزله ملتقى للشيوعيين والتقدميين، ووضع كل طاقاته وإمكاناته في خدمة الأفكار التي آمن بها.

لست على علم بالمسؤوليات التي أنيطت به، إلا أنه وفي أي موقع كان، حسب ما رواه معارفه وأصدقائه، كان يقدم كل ما يمكن أن يقدمه إنسان لخدمة الهدف النبيل الذي وهبه حياته، خدمة الإنسان العامل مبدع الوجود. لم تشغل باله أبداً المناصب الحزبية، كان يفكر دائماً كيف له أن يقدم ما يخدم حركة التطور، وسعادة الشعب الشغيل. لم يتنازل أمام القديم أبداً، ووهب نفسه للجديد، لكل ما هو متغير، ويدفع إلى الأمام هذا هو الطريق التي سلكها هذا المناضل وعاشها حتى النهاية.

في عام 1997 يغادر الحياة هذا الابن البار للمحافظة، مخلفاً وراءه تراثاً نضالياً وإنسانياً يجب أن يبقى، وأن تتوارثه أجيال المناضلين الجدد، لأجل المستقبل، الذي لا يمكن أن تنفصل عراه عن الماضي النضالي للشعب، فالحياة هي ديمومة مستمرة لا يمكن أن تنقطع.

 

العدد 1102 - 03/4/2024