بيان من الحزب الشيوعي السوري الموحد حول تراجع قيمة الليرة السورية

شهدت الأسابيع الأخيرة انخفاضاً كبيراً وسريعاً في قيمة الليرة السورية لم تشهده في تاريخها، وسط صمت الجهات الحكومية المعنية، وعدم إعلانها عن إجراءات حقيقية وفعالة لمواجهة هذه الحالة الخطيرة؛ ما أدى إلى حالة من الجمود والترقب في الأسواق، وارتفاعات مقابلة في الأسعار، واستياء واسع من كل المواطنين ممّا وصلت إليه الأمور وما قد تصل إليه في القريب العاجل، إلى أن عاودت العملة الوطنية قبل بضعة أيام استرداد ما خسرته بالسرعة ذاتها التي تراجعت فيها، وسط شعور واسع بأن سرعة الارتفاع والانخفاض على هذا النحو لا تؤدي إلى الطمأنينة، لأنها تعبّر عن وضع غير مستقر، ومفتوح بشكل دائم للتكرار بأشكال وأوقات مختلفة.

إن الحرب الجارية في سورية وعليها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً منذ أكثر من ثماني سنوات، وفي مقدمتها الحصار والمقاطعة، وضرورة توفير مستلزمات الدفاع والطاقة والمواد الغذائية والطبية الضرورية، قد ساهمت بهذا الشكل أو ذاك في استنزاف الاحتياطي الوطني من القطع الأجنبي، وبالتالي انخفاض قيمة الليرة السورية، إلا أن السياسات والإجراءات المالية والنقدية التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة قد ساهمت أيضاً في هذا التدهور، سواء ببيع القطع الأجنبي للجميع، أو من خلال محاباة شركات الصرافة والسكوت عن مخالفاتها، أو من خلال التقصير الواضح والمستمر في قمع المضاربين والمهربين، وعدم الالتزام بسعر واقعي للحوالات الخارجية، أو من خلال تخصيص القطع الأجنبي لاستيراد العديد من المواد غير الأساسية أو غير الضرورية، إن ازدياد الطلب على القطع الأجنبي للأسباب التي سبق ذكرها، إضافة إلى حالة التحوط للمحافظة على مدخرات المواطنين وموجوداتهم من جهة، وانخفاض العرض المتاح منه من ناحية أخرى، وكذلك منعكسات الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان حالياً، قد ساهمت أيضاً في ازدياد حدة هذه المشكلة.

إن السرعة غير المنطقية في ارتفاع سعر القطع الأجنبي، ثم انخفاضه، لا تعني أن الأمور عادت إلى الوضع السليم، بل هي مؤشر هام إلى هشاشة الإجراءات التي اتخذت وتُتّخذ في هذا المجال، وعدم فعاليتها، واحتمال تكراراها وفق المسلسل المعروف: ارتفاع كبير ثم تراجع بسيط يتلوه ارتفاع من جديد …وهكذا.

الحزب الشيوعي السوري الموحد يؤكد اليوم ، كما أكد سابقاً ، أن تحسين قيمة الليرة السورية بشكل أساسي ومستقر مرتبطٌ أساساً بالتوصل إلى حلّ سياسي للأزمة السورية، يضمن السيادة الوطنية، ووحدة سورية أرضاً وشعباً، ويفتح الآفاق لتحقيق الديمقراطية والعلمانية، ويحقق التوزيع العادل لثمار التنمية بين مناطق الوطن وأبنائه كافة، كما يرى أن المعالجة الفعالة لهذه المشكلة في الوقت الراهن تتطلب مجموعة متكاملة من الإجراءات الاقتصادية والمالية والنقدية، وفي مقدمتها، بشكل فوري، المواجهة السريعة والفعالة والمستمرة للمضاربين والمتاجرين بالقطع الأجنبي، وللمهربين والفاسدين في كل مواقعهم، كما تتطلب اتحاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لإعادة تأهيل وتشغيل المنشآت الإنتاجية الزراعية والصناعية، من خلال منح التمويل وإعادة تأهيل المناطق الإنتاجية والأراضي الزراعية، وتمكين أصحابها من الوصول إليها واستثمارها، واستعادة آبار النفط، وتشجيع الصادرات وترشيد المستوردات من خلال إنتاج ما يمكن اقتصادياً من بدائل المستوردات، واعتماد سعر واقعي ومقبول للحوالات وقطع التصدير، وتشجيع شهادات الإيداع والودائع بالقطع الأجنبي وبالليرة السورية، من خلال منح فوائد مجزية، واتخاذ خطوات جدية لتطوير التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري مع الحلفاء والأصدقاء، من خلال التعامل بالعملات الوطنية بدلاً عن الدولار، والإسراع في وضع التسهيلات المتبادلة التي تتطلبها هذه العملية وتنفيذها.

ويؤكد الحزب أيضاً أن التدهور الهائل في القدرة الشرائية للغالبية الساحقة من المواطنين، وتراجع مستواهم المعيشي، نتيجة ثبات الأجور وارتفاع الأسعار بحجة ارتفاع سعر الصرف وغيره من الأسباب، يتطلب الإسراع في تنفيذ زيادة حقيقية ومجزية في الأجور يتم تأمينها من خلال مكافحة الفساد والتهريب مكافحةً فعّالة، وإصدار قانون جديد للضرائب، يتضمن زيادة معدل الضريبة المباشرة على الأرباح والريوع وأصحاب الثروات الكبيرة، وإعفاء أصحاب الأجور والمداخيل الصغيرة منها، إضافة إلى التشدد في مراقبة الأسواق والأسعار بشكل فعال.

إن صمود شعبنا وصبره حتى اليوم على ما واجهه من مؤامرات ومصاعب طيلة السنوات الثماني الماضية، يستحق أن يقابَل بالتقدير وبذل أقصى ما يمكن من أجل تخفيف معاناته، والتعويض عما أصابه، بعيداً عن الوعود المتكررة والمستمرة التي لم تعد تعني شيئاً.

دمشق 14/9/2019

المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري الموحد

العدد 1104 - 24/4/2024