توقيع الإعلان الدستوري في السودان أمر مهم .. ولكن الأكثر أهمية هو التنفيذ!
د. صياح عزام:
يوم 17/8/2019 ووسط حضور عربي وإقليمي ودولي، جرى التوقيع النهائي والرسمي على الإعلان الدستوري بين قوى الحرية والتّغيير، والمجلس العسكري الانتقالي، على الرغم من بعض التحفظات على ذلك من قبل الحزب الشيوعي السوداني، الأمر الذي يمهد الطريق لتسليم السلطة إلى هيئة انتقالية جديدة عبر وضع الأطر القانونية والدستورية لهياكل الحكم الثلاثة خلال الفترة الانتقالية (المجلس السيادي، مجلس الوزراء، والمجلس التشريعي).
لا شك في أن هذا التوقيع يُعتبر خطوة متقدمة ونقطة تحول مهمة، ولكنه في الوقت ذاته لا يعني أن الطريق خالٍ من العراقيل، ما يتطلب الحذر من الالتفاف على الاتفاق وإفشاله، وكما هو معروف، سبق ذلك التوقيع بالأحرف الأولى على الوثيقة الدستورية في 4/8/2019 التي ألغت العمل بدستور عام 2005.
بعد ذلك جرت خطوات لاحقة في سياق التوقيع على الإعلان الدستوري وقبله السياسي، منها: حل المجلس العسكري، وتشكيل مجلس سيادة مؤلف من 11 عضواً، خمسة منهم عسكريون وخمسة مدنيون من قوى الحرية والتغيير، ثم توافق الطرفان على اختيار العضو الحادي عشر، يلي ذلك تشكيل حكومة من قبل رئيس الوزراء الذي توافق عليه الطرفان أيضاً (وهو خبير اقتصادي) والإعلان عنها قبل نهاية شهر آب الجاري 2019.
بطبيعة الحال كانت الآراء متباينة حيال الاتفاق المذكور، فالبعض رأوا أنه منح صلاحيات واسعة للمجلس السيادي ولاسيما للمكون العسكري فيه، ما قد يؤدي إلى محاولات إعاقة إصلاح المؤسسات العسكرية والأمنية، بينما رأى آخرون أن جماهير الشارع السوداني قادرة على التصدي لأي تجاوز وإفشاله، ولا داعي للتوجس حول ذلك.
قوى الحرية والتغيير اعتبرت الوثيقة تأسيساً لمرحلة سياسية جديدة في السودان، تقوم على حكم برلماني، وتوسيع الحريات، والانتقال إلى الديمقراطية، وإصلاح أجهزة الدولة، ووقف الحرب في جميع أرجاء البلاد، ومحاربة الفساد، وفتح باب المحاسبة حول جميع القضايا المتعلقة بسوء استخدام السلطة وهدر المال العام أو سرقته ، والعمل على سحب السلاح من القوى المحسوبة على نظام البشير السابق مثل (الأمن الشعبي والدفاع الشعبي) وإعادة تقييم أوضاع (قوات الدعم السريع)، والحد من ظاهرة انتشار الأسلحة الفردية بين فئات محددة اختارها البشير أيضاً.
ومما يجدر ذكره أن الاتفاق الذي وُقِّع قد أُنجز بالتوافق، ولكن مع ضغوط خارجية على الطرفين أرغمت كلّاً منهما على تقديم بعض التنازلات.
من جهة أخرى فإن (الجبهة الثورية) التي تتكون من (حركة تحرير السودان، والحركة الشعبية_ قطاع الشمال، وحركة العدل والمساواة)، رفضت الإعلان الدستوري بذريعة أنه لا يؤدي إلى تحقيق السلام، إلا أن قيادات في قوى الحرية والتغيير سارعت إلى تدارك الأمر عبر تأكيدها أن تفاهمات (أديس أبابا) بينها وبين الجبهة الثورية ستؤخذ بالحسبان من خلال إضافتها إلى الاتفاق الموقع، أو من خلال وضعها بوصفها ملحقاً، الأمر الذي يُرضي الجبهة المذكورة.
ولكن الأمر اللافت للنظر أن أحزاب الإسلام السياسي السودانية عارضت الاتفاق، وعلى سبيل المثال اعتبر (حزب المؤتمر الوطني السوداني) أن الوثيقة السياسية الدستورية (أي الاتفاق الذي وقِّعَ) قد أقصى مكونات سياسية واجتماعية أخرى. وفي الحقيقة هذه الذريعة غير صحيحة إطلاقاً، فهي ترفض هذا الاتفاق لأنه يتعارض مع الأهداف الإخونجية الخاصة لهذا الحزب. وإذاً، يمكن القول إن الاتفاق بشقيه السياسي والدستوري يطوي صفحة حكم الإسلام السياسي الأسود في السودان، متجسداً بالإخوان المسلمين وحزب عمر البشير، الذين ادعوا عبثاً وكذباً أن الاتفاق لم ينص على أن تكون الشريعة الإسلامية هي المرجعية في التشريع، وأنه يحتوي على توجهات علمانية.
باختصار، الاتفاق على الإعلان الدستوري والتوقيع عليه وعلى الإعلان السياسي قبل ذلك، يعد إنجازاً وطنياً هاماً يفتح الطريق أمام انتقال السودان إلى بناء نظام حكم جديد يرتكز على الحرية والديمقراطية والتعددية والمساواة في المواطنة والعدالة الاجتماعية، ووقف حروب الداخل التي أزهقت أرواح الآلاف واستنزفت ثروات البلاد، والقضاء على الفقر وتفشي الأمية، وغير ذلك… ولكن يبقى المهم هو ألا يخضع الحكم الجديد للضغوط الخارجية الإقليمية والدولية والعربية التي تهدف إلى احتواء الثورة وإبعادها عن الأهداف الأساسية التي رسمها لها الشعب السوداني وضحى من أجلها بالكثير.