فصـول

رمضان إبراهيم:

كل شيء يشير أن النهاية باتت قريبة.

أغلق خلفه الباب على ذكريات محفورة على جدران قلبه، ومضى غير آبه بالهواء التشريني البارد.

في الحقيقة لم ينم الليلة السابقة، كانت الأفكار المتداخلة تأخذه في كل الاتجاهات دون أن تستقر به على وجهة محددة.

وصل إلى هناك، استلقى تحت شجرة وارفة الظلال اعتاد أن يلتقيها هناك، وبدأ يمضغ الوقت بمرارة الانتظار.

ذات لقاء أمسكها من يدها وشدها إليه. بدت مرتبكة وخائفة، همس لها: (بحبّك!) بعد أن قرأ في عينيها فصول الحب بكل ألوانه، ثم نهض وحفر على جذع الشجرة أول حرف من اسمها واسمه، وسارا عبر الطريق الملتوي حتى افترقا.

تذكر شيئاً ما جعله يعود إلى المنزل. فتح الباب بهدوء ودخل، وقف أمام المرآة وحدق بوجهه طويلاً، كل شيء يوحي بالخريف. ارتبك قليلاً، مسّد أشعار ذقنه، ثم عاد ونظر إلى المرآة ثانية، لم يرَ وجهه. خيِّل إليه أنها خلفه، التفت إليها بقوة محاولاً إمساكها، لكنه لم يجد إلا خيبته وبقايا صور متشظية في زوايا عقله. صرخ بصمت. حدق ملياً باتجاه الأفق المشوّش، لكنه لم يستطع إمساك خيط نور واحد. جثا على ركبتيه وبكى. بكى بحرقة على أيام وسعادة ضاعت في ظلام وظلام.

منذ ذلك اليوم لم يعد أحد يراه.

قالت شجرة الدلب: أحتاج إلى الحب وإلى همس عاشقة كي أستمر.

قال الهواء التشريني: ستغسل أمطاري كل حقد وستنمو أزهار الربيع من جديد.

قال عجوز أضناه الانتظار: الحياة رحلة قصيرة فلا تضيعوا في تفاصيلها!

العدد 1104 - 24/4/2024