معضلة زيادة الأجور
د.أحمد ديركي:
تضجّ وسائل الإعلام وتتداول أخباراً من هنا ومن هناك، منها ما هو صادر عن جهات رسمية ومنها ما هو متداول بين الناس، من أخبار لا أساس لها من الصحة، بل مجرد تخمينات وتحليلات بلا معطى موثق، حول مسألة رفع الحد الأدنى للأجور انطلاقاً من قاعدة مفادها أن الحد الأدنى للأجور لم يعد يكفي تكاليف العيش.
من البداهة القول إن الحد الأدنى للأجور يؤسس على أسس دراسات وأبحاث عملية متعددة الجوانب والأبعاد، منها ما هو اقتصادي ومنها ما هو اجتماعي ومنها ما هو سياسي.
انطلاقاً من أهمية مفهوم الحد الأدنى للأجور، على هذه الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، يربط هذا الحد بمؤشرات متعددة الأبعاد أيضاً. إلا أن أحد أهم هذه المؤشرات هو مؤشر التضخم، لما يسببه هذا المؤشر من تآكل في القدرة الشرائية، وتحديداً لذوي الدخل المحدود، وأصحاب الحد الأدنى للأجور. من هنا يربط الحد الأدنى للأجور بمؤشر التضخم، ويجري تصحيح الحد الأدنى للأجور وفقاً لصعود نسب التضخم أو هبوطها، وغالباً ما تجري هذه العملية سنوياً، عندما تقدم الحكومة موازنتها العامة، وتأخذ هذه العملية تسميات متعددة منها على سبيل المثال لا الحصر: (السلم المتحرك للأجور).
هذا شكل مبسط للعملية، فهي أكثر تعقيداً، لكن في التبسيط هذا يكمن جوهرها. المسؤول الأول والأخير عن تنظيم سير هذه العملية المعقدة لتحديد الحد الأدنى للأجور هو النظام السياسي القائم، وتأتي ترجمته تعبيراً عن نهجه عبر السياسة الاقتصادية الاجتماعية المتبعة والموضوعة وفقاً لنهجه.
اللافت للنظر أننا نشهد في معظم الأحيان تثبيتاً ممنهجاً غير اعتيادي ولا علمي للحد الأدنى للأجور لسنوات متعددة، أو نشهد مجرد زيادات عليه بين الحين والآخر هي أيضاً غير ممنهجة ولا علمية.
فجأة ومن دون سابق إنذار تندلع (معركة) رفع الحد الأدنى للأجور، ويبدأ تداولها على كل المستويات، وتدخل في دوامة الأخذ والرد، والمعارض والموالي… وأكثر ما يدور الجدل حوله: ما هي النسبة الصحيحة لرفع الحد الأدنى؟ هل تسمح موازنة الدولة، في ظل الظروف الراهنة، برفع هذه النسبة؟ هل تكون بمفعول رجعي أو لا؟
بعيداً عن كل هذا الجدل القائم حول مسألة رفع الحد الأدنى للأجور يبقى السؤال الجوهري، الذي تندر مقاربته، لماذا يثبَّت الحد الأدنى على الرغم من أن نسب التضخم متحركة؟
نهج يضع الطبقة العاملة وحدها، بصفتها لا تملك سوى قوة عملها لتعرضها في السوق للبيع، في موضع من يدفع ثمن نسب التضخم من أجرها المثبّت، وترتفع، في الوقت نفسه، نسبة ربح الطبقة البرجوازية. قد يكون أبرز شاهد على عملية الاستغلال هذه أن ثمن السلع في الأسواق غير ثابت، بل خاضع لسعر السوق المحلي والعالمي، بينما الحد الأدنى للأجور مثبّت بقرار، ولا يصحَّح إلا بقرار.
من هنا يمكن القول إن الاندلاع المفاجئ لمعركة الحد الأدنى للأجور ليس مفاجئاً، بل ممنهجاً ليصب في مصلحة الطبقة البرجوازية وحلفائها، لتنظيف صورتهم وليظهروا وكأنهم الملاك البريء من كل ما تعانيه الطبقة العاملة من أشكال الاستغلال الطبقي.