أمريكا الجنوبية وعصا واشنطن؟

د. صياح عزام: 

يبدو أن الولايات المتحدة في عهد الرئيس (ترامب) عادت بعد فترة من الهدوء إلى التلويح بالعصا الغليظة لإعادة فرض هيمنها على دول أمريكا اللاتينية، كما كان الأمر في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي في زمن حكم القيادات العسكرية الفاشية، خاصة في (تشيلي) أثناء حكم الطاغية (بنيوشيه) وفي البرازيل والأرجنتين، في وقت كانت النخب العسكرية تمثل اليد الأمريكية في البطش باليسار وبالخصوم الآخرين لأمريكا.

ولهذا ليس مستغرباً أن يلوّح جون بولتون (مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي) بإمكانية التدخل العسكري الأمريكي في فنزويلا ضد الرئيس الشرعي المنتخب (مادورو)، بعد أن نصبت الإدارة الأمريكية رئيساً لفنزويلا، هو أحد عملائها من دون أي شك، المدعو خوان جوايدو، وهذا ما يعيد إلى الأذهان سيناريوهات التدخلات العسكرية في أمريكا الجنوبية من قبل الولايات المتحدة منذ استيلائها على نصف أراضي المكسيك بداية من عام 1846، ثم تدخلاتها حتى الثمانينيات من القرن الماضي في كوبا ونيكاراغوا والتشيلي وكولومبيا ثم اجتياح غرانادا وبعدها بنما.

إن الحماس الذي تبديه واشنطن الآن بشأن عزمها على تغيير النظام الحاكم في فنزويلا وإحلال نظام موالٍ لها محلّه، يأتي بعد تغيرات شهدتها دول أمريكا الجنوبية، فقد استعاد اليمين السلطة في دول وازنة مثل البرازيل التي كانت في قبضة اليسار تحت حكم الرئيس لولا دي سيلفا، ثم الرئيسة ديلما روسيف من عام 2002، حتى أُقيلت عام 2016. والأمر الخطير في التغيير الذي حصل في البرازيل أنها دولة كبرى في أمريكا الجنوبية أولاَ، وعضوة في مجموعة البريكس، ثانياً، إلى جانب عودة القوى اليمينية المتشددة إلى الحكم فيها بقيادة الضابط السابق في الجيش البرازيلي (جايير بولسونارو) الذي أظهر وما يزال يظهر إعجابه بالرئيس الأمريكي (دونالد ترامب، والذي فاز بالرئاسة من خلال جولة الإعادة (الثانية) في الثامن والعشرين من تشرين الأول لعام 2018.

كذلك يؤكد العديد من المحليين السياسيين والمتابعون للأوضاع في أمريكا الجنوبية أن تسلم (بولسونارو) للرئاسة ليس حدثاً عابراً، ولكنه يمثل عودة قوية للنخب العسكرية البرازيلية السابقة إلى المشاركة في حكم البرازيل، وما يدل على ذلك، أن (بولسونارو) هذا عيّن كثيراً من القيادات العسكرية السابقة في عدد من المناصب العليا في حكومته، مثل منصب نائب رئيس الجمهورية، وفي حقائب الدفاع والداخلية والتكنولوجيا والعلوم (عيّن سبع شخصيات عسكرية بارزة سابقة في مثل هذه المناصب والمواقع الحكومية الهامة) وتجاوز عددهم مجموعة العسكريين الذين عُيِّنوا في زمن الديكتاتوريات العسكرية في البرازيل من عام 1964 حتى عام 1985 والسؤال أليس هذا لافتاً للنظر؟

بالتأكيد هذا يشير إلى بداية عودة الديكتاتوريات العسكرية التي تأتمر بأوامر الولايات المتحدة الأمريكية، وتشكل أدواتها في القمع والنهب وإفقار الشعوب، إنه لمن الواضح أن إدارة ترامب تفكّر جدياً بالإقدام على تدخل عسكري علني ومباشر في فنزويلاً لإسقاط حكم الرئيس مادورو أو إجباره على مغادرة البلاد، ودعم عميلها رئيس البرلمان جوايدو تحت ذريعة إدخال مساعدات إلى الشعب الفنزويلي، كما يروج لذلك إعلامها وبعض مسؤوليها في تصريحاتهم، كما أنها تمارس الآن ضغوطاً على الجيش الفنزويلي للانشقاق عن مادورو وتأييد جوايدو، وإذا نجحت واشنطن في إسقاط مادورو تكون قد قطعت أشواطاً في ترتيب الأوضاع في جوارها الإقليمي بأمريكا الجنوبية التي تعتبرها حديقتها الخلفية التي لا يسمح لأحد بالاقتراب منها.

ولكن الولايات المتحدة تتجاهل أن تغيير نظام الحكم في فنزويلاً كما تريد ليس بالأمر السهل، لأن الجيش الفنزويلي يلتف حول الرئيس مادورو ويؤيده، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لأن الشعب الفنزويلي يعرف حق المعرفة الأطماع الأمريكية في بلاده بسبب النفط وغيره من الثروات، ومن جهة ثالثة فإن دولاً وازنة يصل عددها إلى العشرات تقف إلى جانب مادورو وتعارض بحزم أي تدخل عسكري أمريكا فيها، وفي مقدمتها روسيا وإيران وتركيا والصين وسورية وغيرها.

العدد 1104 - 24/4/2024