الإعلام الأمريكي والكابوس الروسي المزعوم

د. صياح عزام:

ركزت وسائل الإعلام الأمريكية وماتزال على التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية الرئاسية منها والبرلمانية، وتبالغ في ذلك عندما تصور هذا التدخل المزعوم بأنه يمثل (كابوساً) مخيفاً ومرعباً، ويشكل محاولة خطيرة لإفشال ما تسمى بالتجربة الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما يشي بأن هناك جهوداً أمريكية لتوتير العلاقات مع روسيا، وإعادة أجواء الحرب الباردة التي استمرت لعقود، دون مراعاة لما يمكن أن تسفر عنه هذه الجهود من توترات على الصعيد العالمي، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل: لماذا تلجأ الولايات المتحدة إلى ذلك، وما الدوافع الكامنة وراء هذا الأمر؟ بداية من المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية دولة عظمى، وليست من دول العالم الثالث التي يمكن لروسيا أو لغيرها أن تتدخل في انتخاباتها بهذه السهولة، ولدرجة التغيير في نتائجها، لماذا؟ هناك عدة أسباب منها:

أولاً- توجد لدى الولايات المتحدة مؤسسات أمنية عريقة وقوية ولديها خبرات متراكمة، وإمكانات مادية وتكنولوجية ضخمة تؤهلها للتصدي لأي محاولات اختراق من هذا القبيل أو غيرها.

ثانياً- إن غالبية الشعب الأمريكي لديها من الوعي ما يمكنها من اختيار مرشحها للسلطة التنفيذية أو التشريعية من دون أي تأثير خارجي.

ثالثاً- لنفترض على سبيل المثال أن روسيا الاتحادية تدخلت في الانتخابات الأمريكية الرئاسية التي جرت في نهاية عام 2016 – حسب المزاعم الأمريكية- فهل من المعقول أن تكرر روسيا هذا الأمر في انتخابات التجديد النصفية التي جرت مؤخراً؟ ثم ما الفائدة التي تعود على روسيا من ذلك، ما دامت المزاعم الأمريكية بالتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية أدت كما هو واضح إلى توتر العلاقات بين البلدين، وانعدام التنسيق بينهما لحل العديد من المشاكل الدولية المعقدة؟

رابعاً- ألا تمتلك الولايات المتحدة وسائل أخرى للرد على التدخل الروسي المزعوم، بدلاً من سياسة التهويل الإعلامي؟ إلا إذا كان الهدف من هذا التهويل المزايدة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، خاصة أن الموضوع يمثل أهمية كبيرة للحزب الديمقراطي الذي حاول ويحاول منذ مجيء الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أن يكسب الرأي العام الأمريكي سواء في الانتخابات البرلمانية النصفية التي جرت أو للتجييش ضد ترامب، لاسيما بعد النجاح الذي حققه الديمقراطيون في التشويش على سياسته حيث وصلت نسبة الرفض لسياساته وقراراتها إلى نحو الـ60% وخاصة لجهة انسحاباته من عدة هيئات واتفاقيات ومؤسسات دولية، واحتقاره لأصدقائه وحلفائه في أوربا وغيرها ومطالباتهم بدفع نفقات الحماية الأمريكية لهم! والأمر اللافت للنظر في هذا السياق، أن بعض الدول الأوربية مثل بريطانيا وفرنسا عمدت إلى العزف على هذا الوتر (أي الزعم بأن روسيا تتدخل في شؤونهم الداخلية)، فرئيسة الوزراء البريطانية ماي اتهمت موسكو بمحاولة تسميم الجاسوس الروسي وابنته من دون تقديم أي دليل ملموس على ذلك، الأمر الذي يؤكد أن اختراع هذه الكذبة من قبل المخابرات البريطانية كان الهدف منها إرضاء واشنطن والتقرب أكثر فأكثر منها، كذلك لجأت فرنسا إلى اتهام روسيا بأنها ضالعة في تظاهرات أصحاب (السترات الصفراء)، علماً بأن الرئيس بوتين اعتبر أن ما يجري في فرنسا هو شأن داخلي ولا علاقة لروسيا به، حتى أن دولاً أوربية أخرى حذت حذو بريطانيا وفرنسا أيضاً. لا شك بأن هذه المزاعم الأمريكية والأوربية لا أساس لها من الصحة، فروسيا تحترم الدول الأخرى، إلا أن الأوساط الحاكمة في الولايات المتحدة وبعض دول القارة الأوربية تحاول الإساءة لروسيا، بسبب سياساتها البعيدة عن الهيمنة والمناهضة لكل أشكالها والمؤيدة لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، هذا مع العلم بأن مثل هذه الاستفزازات لروسيا تؤثر على السلام والاستقرار الدوليين، كما أنها تؤثر سلباً على مكانة وصورة واشنطن ولندن وباريس لدى دول العالم والرأي العام العالمي بشكل عام وتسهم في تراجع أدوارها.

العدد 1104 - 24/4/2024