دور الكيان الصهيوني في تشكيل (الناتو) العربي الجديد

محمد علي شعبان:

لم نستغرب أن تحصل ولادة، نتيجة لعلاقة زواج سري لمدة نصف قرن من الزمن، بين الكيان الصهيوني من جهة والمملكة العربية السعودية من جهة ثانية. وبعد إشهار ذلك الزواج منذ أكثر من عشر سنوات، أصبح الأمر طبيعياً أن يظهر المولود للعلن ويسجل في السجلات الرسمية للزوجين. من تابع أحداث تموز 2006، والحرب الصهيونية الغاشمة على لبنان، والدور السعودي ليس المنحاز للكيان الصهيوني وحسب، بل المشارك الحقيقي والداعم للكيان، يعرف جيداً أن إشهار الزواج كان قراراً صهيونياً، ليتخّلص القادة السعوديون من الازدواجية التي يعيشونها مع بعض أشقائهم العرب، وتشجيعهم على إقامة علاقات مشابهة وعلنية مع الكيان الصهيوني. وينتج عن هذه العلاقات ولادة تحالف جديد بين دول مجلس التعاون الخليجي، والأردن ومصر، ليتشكل (الناتو) العربي بإرادة صهيونية وأجندة صهيونية، وإشراف أمريكي ومباركة بريطانية.

إن اختيار اللحظة التاريخية لهذه الولادة يجعلنا نؤكد أن الأمر ليس وليد اللحظة أو قراراً متسرعاً، إنما هو حصيلة توافقات قديمة- حديثة بين كل طرف على حدة: تأتي الإملاءات، من سيد البيت الأبيض ويوافق الجميع.

ما دمنا قد حددنا الأطراف المشاركة في هذا التحالف، من حيث علاقاتهم مع الكيان الصهيوني، وارتباطهم مع الإدارة الأمريكية، وموقفهم الواضح والصريح، كأدوات تستخدمهم الإدارة الأمريكية أينما تشاء؛ فإننا نستنتج أن ولادة هذا التحالف، وفي هذه اللحظة التاريخية يهدف إلى:

-1- زعزعة الاستقرار في المنطقة، ليصبح الكيان الصهيوني قادراً على إدارة العديد من الملفات فيها دون أية معيقات، وأهمها تمرير صفقة القرن التي وعد فيها ترامب حلفاءه الصهاينة.

-2- تعميق الخلاف العربي -الإيراني الذي سعت إليه السعودية منذ وقت طويل، وإعطائه صبغة مذهبية وتعميمه على كل البلدان الإسلامية بغية استثماره عند اللزوم.

-3- محاولة شق الصف العربي وإقامة اصطفافات مذهبية، تؤدي إلى صراعات طائفية ومذهبية، داخل حدود الدولة الواحدة، مما يسهّل الطريق للكيان الصهيوني وحليفته أمريكا، لخلق كانتونات ذات سمات طائفية ومذهبية متناحرة. وبذلك يصبح وجود الكيان الصهيوني طبيعياً ومألوفاً، وله اليد الطولى بخلق الصراعات وإدارتها في الإقليم.

-4- تشكيل أكبر كتلة معادية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهذا يعتبر الهدف الأول، والثاني، والثالث، عند الإدارة الأمريكية، بغية إجبارها على الحوار معها ما أمكن، محاولة بذلك إعادة الاعتبار لهيبتها أمام الدول الأخرى التي لم تنسحب من الاتفاق الذي وقع مع إيران. بيد أن الإدارة الأميركية غير مقتنعة وليست جاهزة لخوض حرب مع إيران، وغير مستعدة لإنزال جنودها في مناطق غير آمنة، وخاصة بعد الاستعراضات والتهديدات التي يقوم بها بعض القيادات العسكرية الإيرانية بمنع مرور النفط عبر مضيق هرمز، فيما لو نُفّذ الحصار على الصادرات الإيرانية.

كل هذا يؤكد أن إيران لن تخضع لشروط الإدارة الأمريكية، وأنها ستُواجِهها إذا اقتضت الضرورة. ويصبح المولود الجديد (الناتو العربي) ورقة جاهزة للاستخدام في مواجهة إيران، بأجر مضاعف تدفعه دول التعاون الخليجي، مرة بالمزيد من شراء الأسلحة، ومرة أخرى ضريبة حماية، وتصبح عدوة لجوارها الإقليمي، وتنتعش النزعات المذهبية داخل كل منها، ويتحقق الحلم الصهيو- أمريكي الذي يعملون من أجله منذ وقت طويل (تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ). والسؤال الذي يُطرح على دول الناتو العربي: ما هو شكل العلاقة مع دول الجوار العربي الموجودة خارج التحالف؟! وكيف ستكون العلاقة مع العراق الذي ذهب مقتدى الصدر لزيارة السعودية من أجل تحسين العلاقة معها؟ وهل الناتو العربي سيحارب العراق في حال بقيت علاقاته جيدة مع إيران؟ وكيف سيكون شكل العلاقة مع حماس والجهاد في فلسطين المحتلة، ما دام الشعب الفلسطيني يراهن على دور الدول العربية ودور الجامعة العربية في حل مشكلة اللاجئين في الشتات؟ وهل استبعاد دول المغرب العربي عن هذا الحلف يوصل رسالة إلى العالم مفادها: إن الناتو العربي موجّه ضد إيران وحزب الله والحوثيين في اليمن فقط، أو نضيف إليهم النظام السوري، وحلفاء إيران في العراق؟!

هل غاب عن أصحاب الفخامة والسمو أن في كل بلد من بلدان الوطن العربي، أن هناك من يناصر الشعب الفلسطيني، ويعادي إسرائيل ومن يتحالف معها؟ كيف سيكون حال ملك الأردن بعد إعلان تحالفٍ كهذا؟ وكيف سيواجه الشعب الأردني المحتقن بسبب سلسلة المواقف الملتبسة للسياسة الأردنية تجاه قضية العرب المركزية؟ وكيف سيواجه إذا كان أحد اقتراحات الرئيس ترامب اقتطاع جزء من الأراضي الأردنية، كوطن بديل للشعب الفلسطيني؟ وهناك العديد من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات من قبل السيد عبد الفتاح السيسي الذي وضع نفسه في خانة اتهام جديدة: كيف سيبرر للشعب المصري سبب وجوده في تحالف ليس مشبوها فقط وإنما أعلام الخيانة تُرفرف عالياً فوق رؤوس جميع المشاركين فيه، وهم ينفذون إملاءات السيد الأمريكي وحليفه الصهيوني؟

العدد 1105 - 01/5/2024