هل حان وقت الانتقال من الأقوال إلى الأفعال أو سنبقى ندور في فلك التمنيات؟
محمد علي شعبان:
يلفت انتباهي في العديد من التعليقات، والمشاركات عند بعضكم، التي تقول: نعم للدولة العلمانية، أو نعم لفصل الدين عن الدولة. أو أنا مع الدولة العلمانية. أو لا لدستور يعيد البلد للوراء. أو لا للطائفية. وكأن المشرعين وأصحاب القرار ينتظرون منكم الإذن لينفذوا ما يريدون.
تأكدوا يا أصدقاء أن لديهم رؤيا وتطلعات، يعملون من أجلها ويحشدون الطاقات ليل نهار لتحقيقها، وهي تخالف في الشكل والمحتوى تطلعاتنا جميعاً.
إن مشروع القانون المحضّر ليقدم في مجلس الشعب بخصوص صلاحيات وزارة الأوقاف والامتيازات التي سيحصلون عليها، كفئة قد تعيد إنتاج أزمات مستقبلية بين المواطنين السوريين، على أساس التمييز الديني (الطائفي والمذهبي)، وهو أول الغيث بعد نهاية الأزمة، لتصبح أحلامكم وأحلامنا، ورغباتكم ورغباتنا، لا في مهب الريح وحسب، إنما سيجعلنا نتحسر على المرحلة التي سبقت انطلاق (الثورة) المضادة التي انطلقت في منتصف آذار 2011.
إن الفرق واضح وجلي عبر التاريخ بين من يحلم ويعمل من أجل تحقيق حلمه، ومن يحلم، ويصوغ الشعارات والخطابات والكلام الجميل عن أحلامه، دون أن يتقدم خطوة واحدة، تشكل تراكماً ولو بسيطاً باتجاه تحقيق الحلم المقصود. وليس خافياً على أحد أن بعض الأحلام التي لا يعمل أصحابها من اجل انتقالها إلى الواقع لن تبقى أحلاماً فقط، إنما تتحول لتشكل آثاراً سلبية عند الحالمين من جهة، وعند المصغين لهم من جهة ثانية. إن أصحاب الأحلام التي لا تنفذ تشكل، في ذات صاحبها، حالة من التضخم الذي يعاد إنتاجه في كل مرة يعاد فيها الحلم، ويتطور ليشكل حالة مرضية، تزداد يوماً بعد يوم، ويشعر الحالم إن برجه العاجي، أصبح ملاذه الوحيد، حيث يعيش العزلة والقطيعة والابتعاد عن العالم المتحرك، مكتفياً بمتعة الأحلام، والموت البطيء.
ولن يقف الأمر عن هذا الحد فقط، إن أصحاب الأحلام باعتبارهم نخبة اجتماعية، فاعلة في مجال إنتاج الأحلام والأفكار السفسطائية، التي لم تجد حاملاً اجتماعياً لها، ولم تدخل حيز الفعل، تنتقل لتشكل أفكاراً معيقة عند معظم الطبقات والشرائح الاجتماعية التي تعتقد بضرورة العمل التراكمي، لتحقيق ذاتها.
إن التجارب التاريخية الحديثة في عالمنا العربي، كرست ثقافة الشعارات، والخطابات الجوفاء، التي تجعل المواطن العربي يشعر بالهزيمة مهما كان ثورياً ومناضلاً، عند سماعه أولئك الخطباء، الذين يتحدثون على المنابر، في الجوامع، والمناسبات الوطنية والقومية، وقاعات الاجتماعات الخاصة، عن فلسطين الجريحة، وشعبها المشرد، وأرضها المغتصبة، منذ ما يقارب سبعين عاماً.
إن الشعارات الرنانة والبراقة التي ضلّلت المجتمع العربي منذ سبعين عاماً، والتي تتحدث عن الأمة العربية الواحدة، والدم العربي الواحد، والقضية العربية الواحدة، دون أي إنجازات تُذكر سوى المزيد من التفتيت والتقسيم والتراجع حتى على مستوى الشعارات، التي تراجعت عند كثيرين من الأمة العربية الواحدة، إلى التضامن العربي، ثم التلاحم القطري، وصولاً إلى التقسيمات داخل الدولة الواحدة، المهددة أصلاً بانقسامات أشد خطورة على البنية المجتمعية، تحمل في طياتها حروباً إثنية، وطائفية، ومذهبية ، وعائلية في بعض المناطق.
استعرضت هذه الأقوال: إن حكام الأمة العربية غرقت وأغرقت شعوبها بالأحلام التي عاهدت أسيادها أن لا تعمل على تنفيذها أبداً، وهناك أمم وشعوب أخرى طامعة بخيراتها وراغبة بإضعافها بغية تحقيق تلك الأطماع، كانت تعمل لتنفيذ أحلام، كانت تحلم بها سابقاً، ثم نقلت الحلم إلى الواقع، وصنعت له الأدوات والآليات المناسبة.
وها نحن نحلم بالعودة إلى ما كنا عليه سابقاً، على العكس تماماً من باقي الشعوب والدول التي حلمت، وحققت أحلامها كالشعب الكوري، والصيني، والإيراني، والماليزي، والإندونيسي، وباقي الشعوب الأخرى والدول التي نهضت بعد أن هزت بعنف وعادت من جديد.
فهل سنبقى نحلم ونقول: إننا نرغب ونتمنى، دون أن نفعل شيئاً، من أجل تحقيق أحلامنا بدولة المواطنة التي يسود فيها العدل، والمساواة، ويطبّق فيها القانون على الجميع دون استثناء لأحد كان من كان.
إن التيارات الدينية المتطرفة والمعتدلة تعمل من أجل حلمها دون كلل أو ملل، ولا تملأ الدنيا ضجيجاً. وها هي ذي الآن تحضّر لمشروع قانون سيقدم في مجلس الشعب، يسحب البساط تدريجياً ويلغي مكتسبات كانت موجودة سابقاً، لصالح علمانية الدولة، لتكريس مكتسبات جديدة لصالح التيارات الإسلامية التي كان لها الدور الفاعل في خلق الانزياحات الوطنية، وتبييء ثقافة الحرب الأهلية وإثارة النزعات المذهبية، والتي شكلت أحد جسور التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول وهددت وحدتها الوطنية واستقلالها. فماذ أنتم ونحن فاعلون؟ وهل سنكتفي بالتعبير عن التمنيات والرغبات؟ أو نعمل على الانتقال إلى المكان الذي يجب أن نكون فيه، لخوض معركة الانتقال إلى الدولة الديمقراطية العلمانية العصرية، فالأوطان بحاجة إلى جميع أبنائها بالفعل وليس بالقول.