الغرب يجهض مساعي روسية لحل الأزمة السورية

مر الاقتراح الروسي الذي عرضه فيتالي تشوركين، مندوب روسيا الدائم لدى مجلس الأمن، على الدول الدائمة العضوية في المجلس وكأنه لم يكن، ذلك لأن الدبلوماسية الروسية لم تستخدم الأدوات الإعلامية والترويجية المتاحة كما يجب، أو كما تفعل دول الغرب عادة في حالات كهذه. وتضمن الاقتراح دعوة لعقد اجتماع لمجموعة العمل حول سورية تشارك فيه كل من إيران والسعودية إلى جانب الدول الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. وجاء اقتراح تشوركين هذا خلال اجتماع لمجلس الأمن في السابع عشر من الشهر الجاري. حين دعا المندوب الروسي مجموعة العمل حول سورية إلى عقد لقاء في اليوم التالي للجلسة، أي بتاريخ 18/8/،2012 وقال: إن روسيا تريد هذا اللقاء لتقدم مقترحات حول حل للأزمة السورية يتضمن، وفق ما قال تشوركين للصحفيين: (تحديد موعد لوقف القتال بين القوات الحكومية والمعارضة في سورية، وتعيين كل طرف لممثل عنه لبدء الحوار)، ودعا تشوركين إلى ضرورة أن تُعطى صلاحيات للممثلين عن كل طرف بهدف (التباحث حول الحل السياسي وتشكيل هيئة انتقالية للسلطة). وبينما ترقبت الأوساط السياسية انعقاد هذا الاجتماع جاء إعلان تأجيله إلى أجل غير مسمى ليخيّب آمال كثيرين، وبصورة رئيسية أولئك الذين يعيشون المعاناة الحقيقية بسبب القتال الدائر في سورية، والذين يترقبون بفارغ الصبر كل مقترح أو خريطة حل للأزمة تؤدي قبل كل شيء إلى وقف العنف والانخراط بحوار سياسي يحقق تطلعات السوريين بكل فئاتهم وأطيافهم وتوجهاتهم، دون أن يدفعواً دماً ثمن هذه التطلعات.
والسبب في التأجيل الذي يعني بصريح العبارة إلغاء هذا الاجتماع يعود إلى اعتذار الدول الغربية الأعضاء في مجلس الأمن والمنخرطة في مجموعة العمل حول سورية عن حضوره، دون أن تعلن أية مبررات واضحة ودقيقة لهذا الاعتذار.بغض النظر عن وجهات النظر حول الموقف الروسي من الأزمة السورية واختلاف التقويمات له، إلا أن ما جاء على لسان المندوب تشوركين هذه المرة حمل في واقع الأمر صيغة روسية أكثر دقة ووضوحاً للانطلاق نحو حل سياسي للأزمة السورية يصنعه السوريون بأنفسهم وبإشراف دولي. إذ إن روسيا، على لسان تشوركين، تتحدث لأول مرة عن تحديد مهلة زمنية لوقف العنف، ولما يدور الحديث عن مهلة فهذا يوحي بأن روسيا إما أنها توصلت إلى تفاهم مع الجهات الرسمية في دمشق بهذا الشأن، أو أنه لديها آليات واضحة تبنتها لتنفيذ ما تقترحه.
من جانب آخر يتحدث الاقتراح الروسي، الذي حال الغرب دون ظهوره إلى النور، عن مفاوضين بصلاحيات عن الطرفين للاتفاق على حل سياسي وتشكيل هيئة انتقالية. أي أن روسيا تعرض عبر مقترحها رؤية شاملة للحل وبقصير العبارة ودون أية إطالات أو تعقيدات.هنا لا بد من القول إن من يتمسك بدعوات متطرفة أو شروط تعجيزية لبدء الحوار والانخراط بالحل السياسي للأزمة السورية إما لا يدرك حجم المعاناة التي يعيشها السوريون بسبب الاقتتال، والخطر الذي يهدد هذه الدولة العربية المحورية بعد تشابك مصالح القوى الدولية والإقليمية فيها. أو أنه غير مكترث بما يجري. ويدّعي سعيه لبناء ديمقراطية فيها.
ليس الهدف من هذا الكلام اتهام طرف وتمجيد آخر، بل هو مجرد منطق بسيط جداً: إذا كان بالإمكان تحقيق الهدف بالطرق السلمية السياسية فما هي الحاجة إلى التمسك بطرق وشروط لا تؤدي إلا إلى المزيد من القتل والدمار؟ وليست روسيا وحدها التي تتمسك بالدعوة للحوار وتؤيده، فهناك موقف رسمي عبر عنه وزير المصالحة السوري خلال زيارته إلى روسيا، أكد فيه أنه لا حدود لطبيعة المواضيع القابلة للنقاش في الحوار، لكن خلال الحوار لا بالاقتتال. ومهما كان الأمر، ألا تبدو محاولة الاستفادة من هذه الفرصة أفضل من العنف الدائر.
لا شك في أن بدء الحوار ضمن الظروف الحالية عمل في غاية التعقيد، لكنه أسهل بكثير من الاستمرار بالاقتتال، وسيأتي بنتائج أياً كانت، لكنها أقل كلفة على سورية والسوريين من كلفة ما يجري اليوم. لهذا يبدو الاقتراح الروسي الذي لم تتمكن الدبلوماسية الروسية من تفعيله كما يجب مخرجاً منطقياً مما يجري، بوقف العنف من الطرفين خلال مهلة محددة، وبدء حوار شامل يقرر السوريون مصيرهم فيه بأنفسهم. وهذا أفضل من أن يُقرر مصيرهم وفق رغبات ومصالح دول أو قوى إقليمية أو دولية لا يمكن تجاهل لعبها بقوة على حبال الأزمة السورية وسعيها إلى تأجيج النزاع داخل سورية.
وبالعودة إلى المقترح الروسي وكيفية تقديمه من جانب الدبلوماسية الروسية يتساءل كثيرون عن هذا الأسلوب الضعيف في عرض مقترحات تبدو أقرب إلى المبادرة الجيدة من جانب الدبلوماسيين الروس. ذلك أنه في كل مرة ينوي الغرب مجتمعاً، أو واحدة من دوله، تقديم مشروع قرار أو استصدار بيان عن مجلس الأمن، أو عرض خطة لحل الأزمة السورية، فإنهم يروجون إعلامياً وسياسياً لهذه الاقتراحات أو القرارات، ويحشدون الرأي العام الدولي لدعمها ويجري وزراء خارجيتهم جولات مكوكية على عواصم الدول المعنية وغير المعنية للحصول على أكبر قدر ممكن من التأييد لما يريدون عرضه، وبعد كل هذا الصخب الإعلامي والسياسي الذي يصورون من خلال اقتراحاتهم بأنها إيجابية، وستؤدي إلى حل الأزمة السورية، يسارعون إلى شن حملات إعلامية ودبلوماسية جديدة لاتهام روسيا والصين بأنهما باستخدام الفيتو تتحملان مسؤولية تدهور الوضع في سورية.
لم تعلن الدبلوماسية الروسية مسبقاً عن اقتراحها لعقد اجتماع لمجموعة العمل حول سورية تقدم خلاله اقتراحاتها لحل الأزمة بعد بدء العنف خلال مهلة محددة يتفق عليها الجميع، ولم تروج لهذه المقترحات إعلامياً كما يفعل الغرب، كما لم تُوفد مبعوثيها إلى عواصم القرار في المنطقة وفي العالم لبحث ما تنوي اقتراحه والحصول على تأييد ودعم مسبقين. علاوة على ذلك لم تستخدم الدبلوماسية الروسية الأدوات الإعلامية لتكشف عن عرقلة الغرب وحلفائه لهذا الاجتماع، وتأثير مثل هذه العرقلة على مستقبل الوضع في سورية وفي المنطقة ككل.
ولعله من المفيد الاستفادة من الأخطاء واعتماد ذات الأدوات التي يعتمدها الغرب للترويج والدعم حين تنوي الدبلوماسية الروسية الإقدام على خطوات جدية وقوية وإيجابية مثل تلك التي كانت ستعلن عنها خلال اجتماع مجموعة العمل الذي أفشلته الولايات المتحدة ومن لف لفها، إما رداً على الفيتو الثلاثي الروسي، وإما لإطالة الأزمة في سورية بما يحقق مكاسب أكبر للسياسة الأمريكية. وإلى حين انتهاء الانتخابات الرئاسية كي تتمكن الإدارة الجديدة من لعب دور أكبر في هذه الأزمة، يخدم أي شيء، لكنه لن يكون بالتأكيد في خدمة مصالح سورية وشعبها.

 

العدد 1104 - 24/4/2024