المعارضة الروسية والمصالح الذاتية

من جديد خرجت المعارضة الروسية إلى شوارع موسكو احتجاجاً على سياسة الرئيس بوتين. بينما توعدت المعارضة بمظاهرة مليونية. وعلى الرغم من حصولها على موافقة رسمية لتسيير المظاهرة بحيث لا يزيد عدد المشاركين فيها على 25 ألفاً، لم يبلغ عدد من احتشدوا في الساحة المخصصة للتظاهرة عشرة آلاف متظاهر. كان من بينهم موالون للحكومة الروسية أتوا ليقولوا كلمتهم بوجه المعارضة التي يبدو واضحاً أنها لا تتمتع بشعبية في روسيا، بعد فشلها مراراً في حشد أعداد كبيرة من المواطنين في مختلف الفعاليات الاحتجاجية التي نظمتها طيلة الأشهر السابقة في أكثر من مدينة روسية.

وفي الحديث عن الانتقادات التي توجهها المعارضة الروسية لبوتين فإنه لا يمكن تحديد قائمة انتقادات واضحة، ذلك أنهم تارة يحتجون على ما يقولون بأنه انتهاك للحريات، وفي مقدمتها حرية الإعلام الذي بات الكرملين مسيطراً على الجزء الأكبر منه. وتارة يتهمون بوتين بالبذخ واستغلال موقعه لجني ثروات طائلة، بينما الشعب يعاني لتأمين الاحتياجات الرئيسية البسيطة. وتارة يوجهون اتهامات للرئيس بأنه ينتهج الفردية في حكمه، وبأن حزبه، حزب روسيا الموحدة، يحتكر السلطات التنفيذية والتشريعية، وما إلى ذلك. وعلى أرض الواقع هناك من يؤكد أن هذه الاتهامات ليست في محلها، أو ليست دقيقة على الأقل. فتحكّم السلطة بوسائل الإعلام، على سبيل المثال، لم يمنع الكتاب والمحللين في الصحف أو على قنوات التلفزة من توجيه انتقادات للحكومة الروسية وللرئيس بوتين شخصياً. وهذه الانتقادات لا تنحصر بمجال معين، بل تشمل كل السياسات الداخلية التي ينتهجها الكرملين. ويشير مراقبون إلى أن بوتين ما زال يعمل جاهداً على إيجاد حلول لمشاكل جمة تراكمت في روسيا منذ مطلع التسعينيات نهاية القرن الماضي. ويصعب تقديم حلول لها دفعة واحدة، فهي كثيرة ومعقدة، وكل واحدة منها بحاجة إلى متابعة خاصة وعمل دؤوب وخطط حكومية. وقد تحتاج المعالجة أحياناً إلى تشريعات جديدة وما إلى ذلك من خطوات تثبت النهج الجديد لسياسة الدولة.

وكانت المعارضة الروسية قد نظمت احتجاجات عشية الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها بوتين، أعلنت خلالها رفضها نتائج الانتخابات الرئاسية، في ظل توقعات بأن تنضم حشود كبيرة إلى تلك الاحتجاجات كي تقبل السلطة بإعادة الانتخابات الرئاسية. إلا أن تلك الانتخابات كانت ربما الأكثر نزاهة وشفافية في تاريخ روسيا، ذلك أن عملية التصويت نُقلت عبر كاميرات خاصة على الشبكة العنكبوتية، بحيث كان بوسع أي إنسان أن يراقب وهو في منزله عملية التصويت. ويرى المراقبون أن بوتين كان حريصاً أكثر من غيره على نزاهة العملية الانتخابية، لأنه يريد أن يعرف الحجم الحقيقي للدعم الذي يحظى به برنامج حزبه لدى الرأي العام الروسي، كي يتمكن بثقة من رسم سياساته خلال الولاية الرئاسية الحالية.

ويشير عدد كبير من المتتبعين للشأن الروسي أن المعارضة الروسية الحالية، باستثناء الحزب الشيوعي الروسي القوة الثانية في البلاد، ليست في واقع الأمر سوى مجموعات ممن تضررت مصالحهم خلال مكافحة الدولة للفساد في المؤسسات الرسمية، ومن أصحاب النفوذ الذين يشكل النهج الاقتصادي للكرملين تهديداً لمصالحهم التي لا تتقاطع بأي حال من الأحوال مع مصالح العامة من أبناء الشعب. إذ إن المعارضة الروسية لم تقدم حتى اليوم برنامجاً سياسياً واجتماعياً بديلاً عن برنامج بوتين وروسيا الموحدة، كما أن كل ما ترفعه من شعارات لا تلاقي ذلك الحجم المأمول من القبول لدى المواطنين الروس الذين تحرروا من العقلية السوفييتية، وما كانوا ليقفوا مكتوفي الأيدي لو وجدوا في سياسة الكرملين ما يهدّد مصالحهم ومصلحة روسيا ككل.

المؤشر الآخر الذي يدفع إلى الاعتقاد بأن المعارضة الروسية ليست سوى مجموعة قليلة تسعى وراء مصالحها الذاتية، هو أن هذه المعارضة لا تحظى بمستويات تذكر من التأييد في المقاطعات والمدن الروسية، باستثناء العاصمتين موسكو وبطرسبورغ اللتين تتركز فيهما الرساميل والنشاط الاقتصادي والسياسي. وعليه فإن المعارضة الروسية بشكلها الحالي لا تمثل تلك المعارضة التي تعبر عن تطلعات الشعب، بل هي معارضة تعبر عن تطلعات شخصية لقادتها الذين يرتبط عدد منهم بعلاقات جيدة مع دول الغرب، لذلك لا يبدو أن مثل هذه المعارضة قادرة على تحقيق أي هدف، لأن النهج الرسمي يكاد يلامس تطلعات الشعب، بينما لا تبدو أفكار المعارضة على صلة بهذه التطلعات.

أما السياسة الخارجية الروسية بشأن الدفاع عن الأمن القومي الروسي ورفض تغيير أنظمة الدول بالقوة، ومساندة الشعب السوري في حل أزمته بالحوار السياسي ووقف العنف ورفض التدخل الخارجي، فلا خلاف بين رؤية الحكومة الروسية والمعارضة حول هذه القضايا.

العدد 1104 - 24/4/2024