قمة فلاديفوستوك: انعكاسات واضحة للأوضاع الاقتصادية الوطنية والدولية

استضافت روسيا الاتحادية في مطلع الأسبوع الجاري «8 و9 أيلول» القمة العشرين للمنتدى الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي «أبيك» في مدينة فلاديفوستوك، بحضور زعماء دولها الـ21 «باستثناء الرئيس الأمريكي باراك أوباما». وتميزت هذه القمة عن سابقاتها بطرح واضح وجريء للأوضاع الاقتصادية الوطنية والمناطقية والدولية، وتقديم اقتراحات محددة لمعالجة الأزمات الاقتصادية – المالية التي تعانيها العديد من الدول والروابط والتكتلات الاقتصادية.

يعدُّ منتدى «أبيك» أحد أهم منتديات التعاون التجاري- الاقتصادي في العالم وأقواها، ويضم في عضويته دولاً ذات اتجاهات اقتصادية – اجتماعية مختلفة «اقتصاد مركزي موجه، اقتصاد مشترك، اقتصاد السوق الحر». ويشكل عدد سكانه 40% من سكان العالم، ويساهم في 44% من حجم التجارة العالمية، كما يضم في صفوفه أقوى الاقتصادات العالمية، وثلاث دول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، كما يشارك العديد من دوله في روابط أخرى إقليمية ودولية.

وبسبب من تأثيره ووزنه في الاقتصاد العالمي، وتأثره به أيضاً دولاً ومنتدى، إضافة إلى طبيعته كمنتدى اقتصادي أولاً، فقد طغت على جدول أعماله الأوضاع الاقتصادية الوطنية، والملاحظات الجدية حول الأوضاع الراهنة الاقتصادية العالمية للدول والروابط والتكتلات الأخرى. وأظهرت النقاشات وكذلك البيان الختامي هذه المسائل مجتمعة على أهميتها. وأظهرت أيضاً في جانب هام منها حقيقة الأوضاع الاقتصادية الوطنية والعالمية أيضاً.

فقد أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في افتتاح القمة، «انضمت بلاده إلى المنتدى عام ،1999 وتستضيف قمته للمرة الأولى، كذلك انضمامها الكامل هذا العام إلى منظمة التجارة العالمية «الغات»، وتبعات ذلك روسياً ودولياً« أشار إلى الأوضاع الروسية المتعافية من الأزمة المالية الدولية، وإلى الاقتراحات الاقتصادية الدولية، التي تعتمد راهناً على التنافس والتجارة الحرة والأسواق المفتوحة وقدرة بلاده التنافسية.

هذا في الوقت الذي أكد فيه الرئيس الصيني هوجينتاو أهمية النمو المضطرد للوضع الاقتصادي- الاجتماعي الصيني، ومستوى النمو السنوي «مع إقراره بتباطئه هذا العام» والعمل على تعزيز الإمكانات الاقتصادية الصينية، وأشار إلى أن بلاده ستتبع سياسات اقتصادية- تنموية ثابتة، وستسعى إلى تعزيز الطلب المحلي.

وفي إشارة أمريكية لافتة أكدت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية ومندوبة بلادها إلى القمة، إلى أن: «تعزيز اقتصاد متوازن ومستقر يمثل تحدياً شاملاً ومعقداً للغاية، يصعب على الدول معالجته بصورة منفردة.. إذا قمنا بهذا الأمر بصورة صحيحة، فإن العولمة قد تصبح سباقاً نحو القمة، مع ارتفاع مستويات المعيشة وازدهار تتم المشاركة فيه على نطاق واسع»!

وقد بحثت قمة المنتدى مسألتين هامتين، أصرت عليهما روسيا والصين، أولاهما: «التحرير اللاحق للتجارة والاستثمارات، وتطوير التكامل الإقليمي والدولي. والثانية تطوير البنية التحتية للنقل والخدمات اللوجستية».

وأضاف بوتين في تعليقه على هاتين المسألتين بقوله: «بوحدتنا ومن خلال إزالة العراقيل، نحن نحفز مجمل فضاء «أبيك» إلى نمو ديناميكي، وكذلك الاقتصاد العالمي عموماً». وفي تأكيد إضافي لتوجه روسيا  الاتحادية في هذا المجال، أشار إلى أن روسيا تسير بالذات في هذا الاتجاه، وضمنه الفضاء السوفييتي السابق، مستشهداً بـ»منطقة التجارة الحرة ضمن إطار بلدان رابطة الدول المستقلة «جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق»، والاتحاد الجمركي والفضاء الاقتصادي الموحد للبلدان الثلاثة روسيا، بيلاروسيا، كازاخستان«، كذلك دور روسيا في العديد من الروابط الإقليمية والقارية والدولية.

هذا الطرح الوطني والدولي الروسي والصيني، يؤكد إلى جانب مواقف العديد من الدول ذات الاقتصاد المتعافي، والتي تجنبت الأزمة المالية الأمريكية ثم العالمية وتبعاتها الكارثية، يظهر في حدود واسعة الإمكانات الاقتصادية لهاتين الدولتين، وقدراتهما ومطالبتهما، إلى جانب تحالفاتهما، وخاصة مجموعة «بريكس» الدولية- على المنافسة والتجارة الحرة والأسواق المفتوحة. في الوقت الذي تعاني فيه دول ذات اقتصادات «قوية» وروابط وتكتلات اقتصادية، تبعات الأزمة المالية الأمريكية ثم الدولية المتلاحقة منذ عام 2008 ومن صعوباتها الوطنية والاقتصادية الدولية.

وقد عبر بوتين عن قلقه «بشأن الاقتصاد العالمي، وخصوصاً أزمة الديون الأوربية»، وأكد جينتاو أن «الاقتصاد العالمي يتعافى ببطء اليوم، ولاتزال هناك عوامل لزعزعة الاستقرار الاقتصادي وحالات من الغموض. إن التأثير الشديد للأزمة المالية العالمية لم ينته بعد».

وهذا ما أكده بيان القمة بالتعبير عن قلقه حيال أزمة منطقة اليورو الأوربية، كذلك الإشارة الواضحة حول الوضع الاقتصادي العالمي «منذ لقائنا العام الماضي في هونولولو الأمريكية، لايزال الاقتصاد العالمي يواجه سلسلة تحديات تشكل تهديداً له.. لاتزال الأسواق العالمية ضعيفة.. نعبر عن قلقنا إزاء الديون والعجز في ميزانيات بعض الدول المتقدمة على الانتعاش الاقتصادي العالمي».

إذاً وخلافاً لقمم منتدى «أبيك» السنوية الدورية، فقد كانت قمة فلاديفوستوك واضحة في تحديد طبيعة بلدان الأزمات وآثارها الوطنية والدولية، وفي النهوض والانتعاش الاقتصادي لدول الاقتصادات الناشئة والكبرى أيضاً. كما عبرت عن ذلك في كلمات وفودها ونقاشاتها، وفي تضمين البيان الختامي لملاحظاتها الجوهرية من جهة، وفي اقتراحاتها لحل أزمات  الآخرين، وتجنيب العالم تبعات أزمات دول تعد متقدمة أو ذات اقتصاد قوي من جهة ثانية.. وهذا ما توافق عليه قادة قمة فلاديفوستوك، ولهذا دلالاته وتبعاته الاقتصادية والسياسية الوطنية والدولية أيضاً.

العدد 1104 - 24/4/2024