الأزمة الرأسمالية والتناحرات الإمبريالية والحرب
منظور ومهام النضال ضد الإمبريالية (*)
إن الأزمة الرأسمالية لم تصل حتى الآن إلى الحضيض، لا في اليونان ولا في الاتحاد الأوربي. فقد اعترفوا سلفاً بأن الأزمة سوف تتمظهر في جميع البلدان – أعضاء الاتحاد الأوربي التي لم تشهدها حتى الآن، في حين تظهر علامات تباطؤ في غيرها من البلدان في جميع أنحاء العالم.
إن الأزمة الرأسمالية الحالية تظهر مآزق مسار التنمية الرأسمالي: من فقر وبطالة وتبئيس الشرائح الشعبية. من ناحية أخرى، لا يزال النظام السياسي البرجوازي يمتلك (احتياطياً) لديه القدرة على التأثير في وعي العمال والشباب، عبر التلفزيون والإنترنت والسينما والمدرسة والكنيسة، ولكن أيضاً عبر (شبكة حماية) كاملة للنظام تشكلها أحزاب سياسية، تزرع وتغذي أفكاراً وبدعاً برجوازية وانتهازية.
يدعم الحزب الشيوعي اليوناني الرؤية التي تقول: إن الأزمة الرأسمالية هي تعبير عن احتدام التناقض الرئيسي بين الطابع الاجتماعي للإنتاج والعمل، وبين التملُّك الفردي الرأسمالي لنتائجهما. إن الموضوعات التي تعزو أسباب الأزمة إلى سياسات الإدارة، التي تُجرِّم تارة الإدارة النيوليبرالية، وتارة (موقف الخنوع) للحكومات البرجوازية، وتارة أخرى (عدم كفاءة) المفاوضين، هي موضوعات وأطروحات خطيرة وغير واقعية! وذلك لأنها تتستر على ذكر وقوع الأزمة الرأسمالية أولاً، ثم القيام بعدها بالتفاوض مع المقرضين واتخاذ التدابير اللاشعبية.. أي أنهم يتسترون على عمل قوانين النظام الاستغلالي، ويخفون أن تاريخ الأزمات يثبت أنها تقع مع مرور الزمن، بغض النظر وفي استقلالية عن شكل الإدارة، أكان اشتراكياً ديمقراطياً أم ليبرالياً، باعتبارها احتداماً لتناقضات النظام وفوضاه وتفاوتاته التي تميز الإنتاج الرأسمالي، وفرط تراكم الرساميل التي روكمت في مرحلة صعود الاقتصاد الناتجة من استغلال قوة العمل.
فالرساميل تعجز عن إيجاد مخرج مع تأمين نسبة أرباح عالية في محيط يتدهور نسبياً ومطلقاً وضع الأسر العمالية الشعبية، على السواء قبل الأزمة وأثناءها، حيث تُنظَّم البرجوازية هجمة ممنهجة، وحرباً ضد الحقوق العمالية الشعبية، تستهدف تخفيض سعر قوة العمل وزيادة تنافسية وربحية الرأسمال.
لذا، فهناك أهمية كبيرة، لإحاطة وعي العمال بالأسباب الحقيقية للأزمة، وللمشاكل التي يعيشونها التي تتفاقم اليوم.
نحن مصممون على تكثيف نضالنا من أجل حل كل مشكلة شعبية، وخلق الظروف الملائمة للتحرر من أغلال الاستغلال. وبهذا الشكل نسير إلى الأمام عبر رمي المزيد من الثقل نحو إعادة تنظيم الحركة العمالية، وتعزيز الحركة ذات التوجه الطبقي المتمثلة في جبهة النضال العمالي (بامِه)، وتحسين النشاط والتوجه الكفاحي للنقابات. مع وضع المزيد من الثقل على سياسة التحالفات التي صاغها مؤتمر حزبنا ال15 والمؤتمرات اللاحقة حول بناء تحالف اجتماعي سياسي، وبناء جبهة النضال المعادي للاحتكارات والامبريالية على أساس تحالف الطبقة العاملة مع صغار ومتوسطي المزارعين وشرائح البرجوازية الصغيرة في المدن، مع مشاركة النساء والشباب. وذلك مع مواصلة الجهود لتهيئة الظروف الاجتماعية والسياسية التي من شأنها أن تؤدي إلى تصعيد النضال من أجل السلطة الشعبية، وفك الارتباط عن الاتحاد الأوربي ومنظمة حلف شمال الأطلسي، وإلغاء الديون من جانب واحد، وفرض التملُّك الاجتماعي لوسائل الإنتاج المتمركزة وتخطيط تنمية في صالح الشعب. .
إن إفريقيا والشرق الأوسط في أوج الغليان، لذا فإن كُلاً من الحرب الإمبريالية والسلام الإمبريالي الذي يليها ليست بأمور غريبة عن الشعب اليوناني، مع الأخذ في الحسبان أن بلدنا هو عضو في الاتحاد الأوربي وحلف شمال الأطلسي، ولديه قواعد أمريكية أطلسية، تتمتع بموقع جيوستراتيجي مهم تجاه شن الحروب الإمبريالية.
ففي سبيل تنفيذ الحرب الإمبريالية الأخيرة على ليبيا، استخدمت قاعدة جوية كبرى، للولايات المتحدة في بلدنا في منطقة سوذا في كريت، كما استخدم عموماً المجال الجوي وبحار بلادنا.
بعد التدخل الإمبريالي في ليبيا الذي تلاه تقاسم للغنيمة، تعززت تهديدات تركيا ضد قبرص، وتفاقمت العلاقات بين تركيا وإسرائيل، وتصاعد العدوان الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني وضد لبنان ومصر. في حين يجري مشروع تدخل إمبريالي ضد سورية، يهدف إلى مهاجمة إيران، مدعياً ذريعة برنامجها النووي. إن التطورات المذكورة مرتبطة بعمليات إعادة ترتيب أشمل تتعلق بمخطط (الشرق الأوسط الجديد) الإمبريالي، و بالتغيرات التي تحدث في شمال إفريقيا والشرق الأوسط بعد إسقاط الحكومات اللاشعبية في مصر وتونس، وبمحاولة إعادة تنظيم الصيغة السياسية لتتناسب مع الحاجات الحالية للربحية الرأسمالية.
يجري تشويه هذا الواقع عبر موضوعة (الربيع العربي)، التي تعيد إنتاجها قوى برجوازية وانتهازية، تقوم بتجميل الأنظمة البرجوازية التي نتجت بعد التحركات الشعبية في مصر وتونس، وتتستر على بقاء نظام الاستغلال، وعلى استمرار فرض تدابير قاسية جديدة ضد الشعوب.
ليس سراً أن الإمبرياليين يدَّعون كل مرة في سياق تبرير عملية تدخلهم مختلف الذرائع، كما هو الحال الآن في سورية، فقد تذرعوا بداية ب(الديمقراطية)، في حين يركزون حالياً على ذريعة الأسلحة الكيماوية والجرثومية. إن التطورات في سورية هي نتيجة لتدخل إمبريالي علني لكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي ومنظمة حلف شمال الأطلسي، كما لتركيا وقطر والسعودية وإسرائيل على حساب هذا البلد.
لقد تجلى بوضوح اهتمام الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وإسرائيل، نحو زعزعة استقرار وإضعاف النظام البرجوازي السوري المعارض، وفقاً لتطورات مواقف الإمبريالية وتخطيطاتها في المنطقة، هو نظام يشكل حليفاً لقوى في فلسطين ولبنان وفي غيرها من البلدان. أي هو حليف لقوى هي في صدام مع الولايات المتحدة والناتو وإسرائيل. دعونا لا ننسى حقيقة وجود أراضٍ سورية اليوم في ظل الاحتلال الأجنبي (الإسرائيلي)!
إن إضعاف النظام السوري أو إسقاطه، قد يؤدي إلى فتح (شهية) المخططات الإمبريالية للهجوم على إيران بذريعة برنامجها النووي، كما يمكن أن يقود إلى تقسيم جديد لدول المنطقة، وإلى حالة (دومينو) من زعزعة الاستقرار وإراقة دماء الشعوب، وهو أمر سيجلب أيضاً حروباً وتدخلات إمبريالية جديدة.
هذا هو السبب الذي يعلل ضرورة مقدرة الكادحين في كل لحظة على اختيار وتفريق الواجب الأساسي! والأساسي هنا هو أن التصعيد الخطير للتدخل الإمبريالي لكل من الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي الجاري في المنطقة على أرضية تنافس حاد مع روسيا والصين، هو تدخل يشتمل على خطر اندلاع اشتباك شامل، يبدأ أولاً ضد سورية وإيران، وهو أمر سيجلب عواقب وخيمة على شعوب منطقتنا.
إن قوى الإمبريالية التي تتدخل في شؤون سورية الداخلية (سياسياً، ودبلوماسياً، واقتصادياً وعسكرياً) تعمل بالموازاة وعبر وسائل إعلامها لتضليل الشعوب ولتبرير شن حرب إمبريالية جديدة.
وتشكل التطورات في سورية استكمالاً لاحتلال العراق وأفغانستان وليبيا.
هناك بعض الرؤى المخطئة الأخرى تجاه الإمبريالية، على غرار رؤية كاوتسكي في الماضي، التي رأت أن الإمبريالية هي سياسة الطبقة الحاكمة، لا إحدى مراحل تطور الرأسمالية المرتبطة بهيمنة الاحتكار في الإنتاج الرأسمالي، وباندماج الرأسمال الصناعي والمصرفي، وبتصدير الرساميل، وبالطابع الاقتصادي للحروب الامبريالية (تقسيم الأسواق وإعادة تقسيمها). إذ سيكون خطأً فادحاً للحركة الشعبية إذا ما قامت ببناء آمالها على ما يدعى ب(القوى الصاعدة)، أو إذا ما قامت باختيار أحد (معسكرات الإمبريالية). وذلك لأن لينين كان قد حذر أثناء خلافه مع كاوتسكي، أن ذلك من شأنه أن يؤدي بنا إلى تقدير غير صحيح، يقول (يمكن للاحتكارات في الاقتصاد أن تتلاءم مع طراز سلوك في السياسة غير قائم على الاحتكار والعنف والنهب(1)).
لقد رفض حزبنا بحزم قبول الذرائع التي قدمتها الحكومات ووسائل الإعلام البرجوازية والناتو والاتحاد الأوربي، هي ذرائع عملت قوى (يسارية) انتهازية متعددة على إعادة إنتاجها في صفوف الشرائح الشعبية، إبان حروب يوغوسلافيا وأفغانستان والعراق وليبيا مؤخراً، وإبّان الحرب التي يجري التحضير لها ضد سورية وإيران.
فقد قامت قوى برجوازية بمؤازرة قوى الانتهازية لها، بإثبات ضرورة التدخل الإمبريالي والحرب تارة (لوقف التطهير العرقي)، وتارة (لأسباب إنسانية) مزعومة، أو ل(استعادة الديمقراطية) أو ل(منع استخدام أسلحة الدمار الشامل)، أو حتى ل(دعم الربيع العربي)، وما إلى ذلك. لقد أقام الحزب جبهة فكرية سياسية ثابتة في مواجهة القوى المذكورة. وحزبنا لا ينسى للحظة واحدة الموقف اللينيني القائل ب(استحالة الوحدة مع الانتهازيين في عهد الإمبريالية(2))، كما (أن النضال ضد الإمبريالية، إذا لم يقترن اقتراناً وثيقاً بالنضال ضد الانتهازية، يكون عبارة فارغة وكاذبة).
إن هذا الصراع الأيديولوجي ضد القوى البرجوازية والانتهازية هو أحد عناصر نشاط حزبنا في النضال ضد الإمبريالية، وهو مرتبط بنشاط طليعي مناهض للإمبريالية يخوضه الشيوعيون في النقابات، من خلال جبهة النضال العمالي (بامِه) المعبرة عن القطب الطبقي في نقابات العمال اليونانية، ومن خلال منظمات جماهيرية، كاللجنة اليونانية للسلم الأممي.
1 لينين: الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية، الفصل السابع (الإمبريالية مرحلة خاصة في الرأسمالية).
2 لينين: الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية، في نهاية الفصل التاسع (انتقاد الإمبريالية).
* (خلاصة ندوة أجرتها الشبيبة الشيوعية اليونانية أواسط أيلول الجاري).