بوتين يحمل إلى أنقرة الملف الاقتصادي أملاً في تحقيق تفاهمات سياسية

وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا في زيارة يهيمن عليها الطابع الاقتصادي، بينما ينتظر المراقبون النتائج السياسية التي ستتمخض عنها على خلفية خلافات جوهرية في المواقف بين موسكو وأنقرة حيال عدة ملفات إقليمية ودولية، في مقدمتها الموقف من الأزمة السورية، وكذلك مسألة نشر الناتو لمنظومة صواريخ باتريوت في تركيا بطلب من القيادة التركية. كما تأتي هذه الزيارة بعد هدوء أجواء العلاقات بين البلدين التي تعرضت لهزة مؤخراً بسبب إجبار السلطات التركية طائرة سورية قادمة من موسكو على الهبوط في مطار تركي وتفتيشها ومصادرة حمولة على متنها تدَّعي السلطات التركية أنها حمولة عسكرية، بينما تنفي موسكو ذلك وتقول إنها معدات لرادارات، وهي معدات ثنائية الاستخدام وغير خاضعة لأية عقوبات، وتصديرها إلى سورية لا يتعارض مع القوانين الدولية.

بوتين في تركيا إذاً، والملفات الخلافية ليست كثيرة، لكنها استراتيجية الطابع، إن كان بالنسبة لروسيا أو لتركيا. ففي الشأن السوري ترى موسكو أن أنقرة تلعب دوراً سلبياً بتقديمها الدعم للمعارضة، وتريد منها التوقف عن ذلك معتبرة أن أي دعم من دولة ما لأي طرف من أطراف الأزمة السورية شكل من أشكال التدخل الخارجي في مسار الأزمة، وسيؤدي إلى تعقيدها عوضاً عن إيجاد حل لها. وتنطلق روسيا في موقفها هذا من تمسكها بالقوانين الدولية التي تمنع التدخل الخارجي بشؤون الدول. من هنا يُتوقع أن يهيمن الملف السوري على الشق السياسي من المحادثات التركية-الروسية على أعلى مستويات، وستسعى موسكو في الغضون إلى إقناع تركيا بتعديل أو تغيير دورها باتجاه مغاير، وبما يساهم في فرض حل سياسي للأزمة السورية، لتجنيب سورية والمنطقة خطر الانزلاق نحو الكارثة، الذي إن حدث فلن تبقى تركيا، ولا روسيا، بمنأى عن نتائجه السلبية.

وإذا كان مستبعداً أن يتمكن بوتين من إقناع أنقرة بتغيير جذري لموقفها من الملف السوري، فإن الاتفاق الثنائي على صيغة معينة للعمل على حل الأزمة السورية أمر ممكن. وربما يريد بوتين خلال زيارته التوصل إلى هذه النقطة تحديداً كمنطلق يمكنه من التأثير لاحقاً على طبيعة وشكل الدعم الذي تقدمه تركيا للمعارضة السورية، وبما يؤدي إلى توجيه الدور التركي نحو دفع عجلة الحل السياسي في سورية على أقل تقدير، أي أن بوتين سيحاول جذب تركيا بصورة أكبر إلى جانب الحل السياسي وفق الرؤية الروسية. وأن التصريحات الإيجابية التي سبقت الزيارة (أن روسيا تملك مفاتيح الحل في سورية)، والمشروعات الثنائية التي تم تدشينها تؤكد هذا التوجه. وبالنسبة لصواريخ باتريوت التي تقول تركيا إن طلبها بنشر الناتو لهذه المنظومة على الحدود مع سورية ليس سوى إجراء احترازي، فإن موسكو ترى في الخطوة عملاً تصعيدياً سيؤدي إلى زيادة حدة التوتر في المنطقة ككل، ناهيك بأن هذه الخطوة تقلق روسيا، لاسيما في الشق المتعلق بتسهيلها تعزيز الوجود العسكري للناتو في منطقة، وإن كانت على الحدود مع سورية لكنها ليست بعيدة عن روسيا، لاسيما إذا ما أخذنا بالحسبان أن منظومة باتريوت تشكل مرحلة من مراحل الدرع الصاروخية التي ما زالت مصدر التهديد الرئيسي لمستقبل العلاقات الروسية-الأمريكية ولمستقبل الأمن والاستقرار الدوليين عموماً.

وكي لا تحمل الزيارة طابعاً سلبياً إن اقتصرت على البحث في الملفات الخلافية بين البلدين، اختار بوتين أن تتزامن زيارته مع الاجتماع الثالث لمجلس التعاون الروسي-التركي على أعلى المستويات، فبوتين سيرأس الجانب الروسي خلال الاجتماع، بينما سيرأسه الرئيس التركي عن بلاده. ويتوقع أن يركز الاجتماع على البحث في مستقبل التعاون بين البلدين وآليات رفع مستوى حجم التبادل التجاري بينهما، علماً أن تركيا تحتل المكانة الثانية بعد ألمانيا بين الشركاء التجاريين لروسيا. والموضوع الأهم الذي سيبحثه الجانبان التركي والروسي في هذا الاجتماع سيكون حول مستقبل خط الغاز العملاق المعروف باسم (سيل الجنوب) الذي تريد روسيا مده لنقل الغاز عبر البحر الأسود نحو أوربا، والذي وافقت تركيا على مده عبر أراضيها لكن دون أن تكون شريكة فيه.

الرئيس بوتين اتجه إلى تركيا ونصب عينيه تحقيق نتائج إيجابية في المجال السياسي، وبصورة رئيسية فيما يتعلق بالموقف والدور التركيين من الأزمة السورية، ولهذا حمل معه الملف الاقتصادي بقوة ليؤكد عمق الشراكة بين البلدين، أملاً منه في أن تدرك أنقرة أهمية تعزيز الشراكة في المجال الاقتصادي بفتح أبواب الشراكة السياسية بصورة أوسع، والتعاون مع موسكو لحل الأزمة السورية لا لتعقيدها. وتبقى الأنظار متجهة نحو أنقرة بانتظار نتائج محادثات الرئيسين الروسي والتركي.

العدد 1105 - 01/5/2024