السيد رئيس مجلس الوزراء تبديد قلق المواطن يبدأ بالإجراءات الفاعلة للحكومة

أطل السيد رئيس مجلس الوزراء على المواطنين في حوار مع التلفزيون السوري مساء الخميس في 13/9/2012. واتسم حديثه بسمات الطبيب، فقد كان هادئاً.. واثقاً، وأفرد ما في جعبة الحكومة من مؤشرات تدلل على قدرتها على تجاوز الصعوبات الناجمة عن الحصار الاقتصادي الجائر، والتداعيات الأمنية التي تفرزها الأزمة المركبة التي تمر بها سورية، وبشر المواطنين: (إن المعركة ضد سورية شارفت على نهايتها، والأزمة وصلت إلى الذروة، وبدأت بالتراجع بحسب مخططها البياني). وطمأنهم: (أُطمئِنُ أبناء الشعب أننا نحقق الأمن الغذائي، ولا مشكلة في ذلك رغم الحصار الذي تعودنا عليه، لأنه بشكله الحالي ليس جديداً، فنحن محاصرون منذ فترة طويلة، وإن ازدادت التحديات اليوم. وإذا كان من قلق في هذا الإطار فهو قلق إيجابي من أجل الصمود أكثر وتجاوز الحصار). ونفى شائعات مغرضة: لا صحة لما يشاع (عن تدهور وضع الليرة أو المصرف المركزي)، لأنه يحتفظ بمخزون من القطع السوري يتجاوز 600 مليار ليرة، ومخزون من القطع الأجنبي يكفي للصمود سنوات. و(كل كلام غير ذلك إشاعات مغرضة ومضللة، كما أن المصارف وضعها مستقر). مؤكداً في النهاية: (أن سورية ستصمد ما دامت تتمتع بأمن غذائي واقتصادي واجتماعي وتعتمد على مقوماتها الوطنية).

كل ما ذكره رئيس الحكومة يدخل في خانة تبديد القلق الذي ينتاب السوريين، بسبب الأزمة العميقة، وانعكاساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. هذه الانعكاسات التي لم تقف عند ارتفاع الأسعار، وفقدان المواد، واستغلال تجار الأزمات، وانخفاض الأجور الحقيقية للعاملين، وخسارة نحو 150 ألف مواطن عملهم في القطاع الخاص المنظم وغير المنظم.بل وصلت إلى الهم الأكبر وهو التهجير القسري.. وتراجع الاستقرار الأمني في العديد من المدن والمناطق.

لكن السؤال هنا: هل سيتلاشى قلق المواطن بعد ما سمعه من السيد رئيس الحكومة؟

كيف، وهو يدوخ السبع دوخات، كي يؤمّن جرة الغاز.. ومازوت التدفئة!

هل عجزت الحكومة خلال عام كامل عن تأمين صهاريج لنقل الغاز والمازوت بدلاً من أنابيب نقلهما التي خربتها العصابات الإرهابية؟

كيف يصدق المواطن أننا نتمتع بأمن غذائي واقتصادي واجتماعي، وهو يسرّح من عمله.. و(يتفرج) على أسعار المواد الأساسية السورية المنشأ وهي ترتفع إلى السماء.. ويرى المصانع والمعامل والورش مقفلة، أو تعمل بنصف طاقتها الإنتاجية؟!

لا نقصد هنا التشكيك بما ذكره رئيس الحكومة، لكننا نرى أننا مادمنا نمتلك هذه الاحتياطات الاستراتيجية من المواد والسلع والمشتقات النفطية، كما ذكر سيادته، فإن الإجراءات الحكومية التي اتبعت حتى الآن لتبديد قلق المواطن كانت عديمة الجدوى، ولا تعكس تمتعنا بالأمن الغذائي والاقتصادي والاجتماعي، وبات لزاماً على الحكومة اتباع وسائل أخرى لإقناع المواطن بنسيان قلقه.

صحيح أننا ننتج الغذاء الأساسي، لكن مزارعينا يحتاجون إلى دعم ورعاية، وخاصة تأمين المازوت اللازم لعملية الري، ومستلزمات الزراعة، بأسعار مدعومة.. خالية من إضافات التجار والسماسرة.

الصناعة الوطنية بشقيها العام والخاص تحتاج إلى من يقف معها، كما فعلت سائر بلدان العالم، فهي قاطرة النمو.. وعماد الاقتصاد السوري في مواجهة الحصار الجائر.. والعقوبات الظالمة، فلنساعدها على تأمين مستلزمات الإنتاج.. ولنحمها من المنافسة غير المتكافئة، ولنفتح لها أسواقاً شريكة فعلاً لا أسواقاً مهيمنة، ولنجدد ونصلح شقها العام الذي كان داعماً لصمود البلاد خلال عقود وعقود.

مواطننا الصابر يريد أن تتحول حكوماته من داعم للأثرياء والرأسماليين الريعيين، إلى داعم للمنتجين الحقيقيين، وقوى العمل التي تنتج جميع الخيرات، وجميع الفئات الفقيرة، وتلبية متطلباته المعيشية واحتياجاته الحياتية دون إبطاء.. ودون مبررات غير مقنعة. وقبل كل ذلك.. يأتي المناخ الآمن والمستقر، الخالي.. من عمليات التهجير والتفجير والتسلل من وراء الحدود، وردع الإرهاب ومن يقف وراءه، والعمل على جمع كلمة السوريين جميعاً على مستقبل بلادهم الديمقراطي، عبر الحوار الشامل.

هكذا-حسب اعتقادنا- نقنع المواطن بما لدينا.. وبما نتمتع به.. وبما نخطط له.. وبما نصرح به.

عذراً يا سيادة رئيس مجلس الوزراء.. بعد انتهاء حديثكم المتلفز شعرت بالارتياح.. بثقة كنتُ أحتاجها، لكن هذا الارتياح وتلك الثقة شابهما الشك حين تذكرت أن مياه الخزان أصبحت باردة في أيامنا الخريفية هذه، أما خزان المازوت فهو فارغ منذ الشتاء الماضي.

العدد 1104 - 24/4/2024