واشنطن في مستنقع التجسس.. أوربا تعلن ضحاياها تباعاً وتطلب «توضيحات»

لم تكد الولايات المتحدة تتنفس الصعداء من ضغط أزمتها المالية، حتى وقعت في مستنقع فضيحة التجسس، التي قد لا تمر مرور الكرام هذه المرة، بسبب تداعياتها السياسية والأمنية المحتملة.

لا دلائل كافية حتى الآن. إلا أن صمت واشنطن بشأن اتهامها بعمليات تجسس على قادة الدول الأوربية، وملايين المواطنين الأوربيين، يعكس حرجاً أمريكياً واضحاً.

فضيحة التجسس الأمريكي أصبحت الشغل الشاغل لأوربا. ففي الوقت الذي يجتمع فيه زعماء الدول الأوربية في بروكسل، في قمة كان من المفترض أن تولي اهتمامات بأوضاع ومشاكل أخرى، من الاقتصاد إلى مشاكل الهجرة والتبادل التجاري، كان زعماء أوربا يطالبون ب(توضيحات) من حليفهم الأمريكي، معتبرين أن عدم الثقة بالولايات المتحدة، يمكن أن يضر بالجهود المشتركة الرامية إلى (مكافحة الإرهاب).

وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن القادة أكدوا في بيان خلال اجتماعهم أن (انعدام الثقة قد يمس التعاون في عملية جمع المعلومات الاستخباراتية)، وهو ما يعتبر عنصراً حيوياً في الحرب ضد (الإرهاب). بيد أن البيان حرص أيضاً على التأكيد على تقدير زعماء الاتحاد الأوربي ل(العلاقات الوثيقة مع الجانب الأمريكي).

ومن منطلق (لا ريشة على رأس أحد)، أعلن رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي أمس، أنه سيستدعي السفير الأمريكي في مدريد ليطلب منه توضيحات حول عمليات التنصّت (المفترضة) على السلطات الإسبانية، التي كشفت عنها الصحافة.

وقال راخوي، في مؤتمر صحافي في بروكسل، (لا نملك أي دليل على أن إسبانيا تعرضت للتجسس، لكننا سنستدعي السفير الأمريكي لنطلب منه معلومات حول هذه القضية).

مبادرة فرنسية ألمانية؟

بعد فضيحة التجسس الأمريكي على الهاتف الخاص بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أعلنت ميركل أنها والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، سيطلقان مبادرة مشتركة لإعادة التفاوض على التعاون الاستخباراتي لبلديهما مع الولايات المتحدة، مشيرين إلى ضرورة وضع بروتوكولات جديدة.

وأشارت ميركل إلى أن دولاً أخرى رحبت بالمبادرة، لكنها ستشارك في البداية فقط بجهود ثنائية موازية بين وكالات الاستخبارات الأمريكية، وباريس وبرلين.

وأضافت ميركل أنها وهولاند يأملان إتمام الاتفاقات مع الولايات المتحدة نهاية العام الحالي، مضيفة أنها تعتقد أن الوكالات (الاستخباراتية) تحتاج إلى التوصل لاتفاق في ما بينها على مقاييس وقواعد ومعايير أخرى.

وتقول (فاينانشال تايمز) إنه على الرغم من أن ميركل لم تحدد خطوطاً حمراء معينة سيتم إطلاقها في هذه الاتفاقات، إلا أن بعض المسؤولين يقولون إنها تسعى على الأرجح إلى شيء ما أشبه باتفاق (العيون الخمسة) بين الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، تعمل فيه تلك الدول المتحالفة بسلاسة تقريباً على استخبارات الإشارات.

ولم تكتف برلين بهذه الخطوة فقط، إذ ذكرت مجلة (فورين بوليسي) الأمريكية، أن البرازيل، التي كانت رئيستها ديلما روسيف ضحية التجسس الأولى المكتشفة حديثاً، وألمانيا، تعملان على صياغة مشروع قرار في لجنة حقوق الإنسان التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، بهدف تعزيز الخصوصية على شبكات الإنترنت، وهو ما يوضع في سياق أول تحرك دولي للحد من عمليات التجسس التي تقوم بها وكالة الأمن القومي الأمريكية.

سنودن في الواجهة

في ظل كل هذه المعلومات، كان للمستشار السابق لدى وكالة الأمن القومي الأمريكية إدوارد سنودن حضور قوي، فقد اتهمه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، بخدمة أعداء بريطانيا بمساعدتهم على تفادي مراقبة أجهزة الاستخبارات.

وفي أقوى تصريحاته عن الموضوع قال كاميرون، في مؤتمر صحافي على هامش قمة بروكسل، إن المعلومات السرية التي سربها سنودن ستصعّب على بريطانيا وعلى بلدان أخرى تأمين مواطنيها من أناس يريدون (نسف) عائلات.

وأضاف إن (ما يفعله سنودن وما تفعله الصحف من مساعدته في ما يفعله، يعطي بصراحة إشارة للذين يسعون إلى إيذائنا، تبين لهم كيف يراوغون ويتجنبون الاستخبارات والمراقبة والأساليب الأخرى)، معتبراً أن (هذا لن يجعل عالمنا أكثر أمناً، وإنما سيجعله أشد خطراً. هذا يفيد أعداءنا). إلا أن هولاند خالفه في الرأي، إذ اعتبر أن ما كشفه سنودن حول التجسس من قبل الولايات المتحدة على حلفائها كان (مفيداً)، وأدى إلى (مزيد من الفعالية) لأجهزة الاستخبارات وإلى مزيد من الحماية للحياة الخاصة للمواطنين.

وأشار بسخرية إلى الولايات المتحدة قائلاً، إن (أول قاعدة من قواعد حسن السلوك بين الحلفاء أن لا نراقب بعضنا البعض، وألا نتجسس على الهاتف المحمول لأي كان في القمم الدولية. ومن القواعد الأخرى، أنه عندما نبدأ بالمراقبة يجب أن نتقاسم المعلومات وأن لا نخزن معلومات يمكن أن تؤثر على عدد من الحريات).

الكلام عن سنودن، دفع بالولايات المتحدة، إلى تحذير بعض أجهزة الاستخبارات الأجنبية الحليفة، من أن الوثائق التي حصل عليها المستشار السابق لدى وكالة الأمن القومي، تحتوي على تفاصيل حول طريقة تعاونها السري مع واشنطن، بحسب ما ذكرت صحيفة (واشنطن بوست).

وكتبت الصحيفة نقلاً عن مصادر في الإدارة الأمريكية، أنه من بين عشرات آلاف الوثائق التي جمعها سنودن، فإن بعضها يحتوي على معطيات حساسة حول برامج موجهة ضد بلدان مثل إيران وروسيا والصين.

 

بالأرقام

كشفت وثائق مسرّبة أن وكالة الأمن القومي الأمريكية تجسست على نحو 125 مليار اتصال هاتفي ورسالة نصية خلال شهر كانون الثاني (يناير) من العام الجاري، كانت غالبيتها على دول شرق أوسطية. وذكر موقع (Cryptome)، المتخصص في نشر الوثائق السرية، أنه جرت 8,7 مليارات عملية تجسس على الاتصالات في المملكة العربية السعودية، ومثلها في العراق. فيما وصل سقف عمليات التجسس على مصر إلى 9,1 مليار اتصال، و6,1 مليار اتصال في الأردن. وأكبر عمليات التجسس كانت في أفغانستان، حيث تم التنصت على98,21 مليار عملية اتصال فيها، وأتت بعدها باكستان ب76,12 مليار اتصال، والهند ب28,6 مليارات اتصال. وأتت في رابع مرتبة بين دول الشرق الأوسط إيران، بالتنصت على 73,1 مليار اتصال في إيران، بحسب الوثائق.

وطال التجسس الأمريكي العديد من الدول الغربية أيضاً، إضافة إلى مواطنين أمريكيين.

وفي حين احتجت الدول الغربية على التنصت على مواطنيها وقادتها، التزمت الدول العربية صمتاً تاماً تجاه أزمة التجسس الأمريكي على مليارات الاتصالات فيها.

العدد 1105 - 01/5/2024