في ذكرى التأسيس.. المهام الراهنة

إنها الذكرى التاسعة والثمانون لميلاد الحزب الشيوعي السوري. إنها ذكرى البداية ومعها ذكريات البدايات وآمال المستقبل وما بينهما طريق طويل، شقّته كوادر حملت ذلك العبء، ومضت به دون هوادة، في جعبتها مرجعية تستند إليها وقت الصعاب وما أكثرها، فتشد من أزرها وترفع من عزيمتها. ولهذه الذكرى بالغ الأثر على نفوس اليساريين عامة والشيوعيين خاصة، وعلى كثير من الوطنيين والتقدميين الذين كانوا يقفون صفاً واحداً مقابل التيارات السياسة ذات الميول اليمينية. ولكن الوقوف على مشارف العام التسعين للحزب تقتضي من الجميع التمعن في هذه المسيرة ومآلها، فلا التغني بما مضى كافٍ، ولا التحسر على واقع الحال هو الأنجع، وإنما دراسة الحركة وتركيبتها وأسباب تراجعها، والعوامل المطلوب توافرها حتى تستعيد عافيتها وتستكمل طريقها.

ونحن، الشيوعيين الشباب، الذين أتينا بكامل إرادتنا إلى هذا الحزب، لنخوض غمار العمل السياسي من بوابة الانتماء الحزبي، شدّتنا التجربة، ولكن واجهنا انحسار الدور، وبقيت الآمال معقودة على قسم هام من الشباب، إلى أن واجهنا ما يمكن أن نسميه اللحظة المفصلية في تاريخ الوطن والحزب بآن واحد. فخلال العامين الماضيين شهدت البلاد تحولات جذرية أرخت بظلالها على الوضع السياسي العام في البلاد، وكان للحزب نصيب من هذا التغيير. وما يهم الآن هو أن يكون لدى الشيوعيين استراتيجية بعيدة المدى للتكيف مع الوضع الناشئ الآن، والمستقبلي القادم الذي سيحمّله أعباء جديدة. فالمبدأ الذي اعتمده الحزب الشيوعي السوري الموحد منذ بداية التسعينيات وميّزه عن غيره من أحزاب الحركة الشيوعية السورية، وهو مبدأ التنوع ضمن إطار الوحدة الذي أوجد تأثيره، وبرزت أهميته خلال العقدين المنصرمين، يجب أن لا يتوقف العمل به الآن. فمما لاشك فيه أن الحدث الذي حصل عقب انتهاء المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي السوري الموحد (آذار) أثّر على جميع منظمات الحزب، وربما أثّر على واحدة أكثر من أخرى، وبمستويات مختلفة على الرفاق أيضاً.

ووفقاً للمبدأ السابق، فإن الحاضن العام وهو الحزب قادر على أن يستوعب كل ذلك التنوع والتعدد والتمايز الحاصل وفق مصلحة الوطن والحزب معاً. ذلك أن الشيوعيين قد مروا بمرحلة، ساد فيها الاستئثار بالقرار وتوجيه الدفة وفق ما تراه هيئة قيادية، وأحياناً تختزل القيادة بشخص الأمين العام، وأثبتت الأيام عدم صحة ذلك التوجه، إضافة إلى عوامل الانقسام التي نتجت عنه. لذلك فإن القيادة الحزبية مطالبة بأن تفتح الباب واسعاً، على امتداد الحزب ومنظماته وكوادره وأعضائه، للاستماع للجميع، والأخذ بما يرونه الأجدى والأصوب للمرحلة الحالية، يتوج بعقد مجلس وطني للحزب يعيد توجيه البوصلة في الاتجاه الذي ترى قواعد الحزب أنه الأكفأ. وهذا يتعاضد مع الذهاب نحو التلاقي مع الطيف الوطني اليساري التقدمي العلماني من المكونات السياسية الموجودة، لتكوين تيار مدني علماني يكون صمام الأمان للمرحلة الانتقالية التي ستشهدها البلاد في الأمد المنظور. ويجدر بالحزب تأكيد استقلالية قراره وصون وحفظ كرامة أعضائه، وأن يجري قراءة متأنية وهادئة للعامين المنصرمين ولدوره فيهما.

فكما جاء في البيان الشيوعي فإن (مفهومات الشيوعيين النظرية لا ترتكز مطلقاً على أفكار أو مبادئ اكتشفها أو اخترعها مصلح من مصلحي العالم. فما هي سوى التعبير الإجمالي عن الظروف الواقعية لنضال طبقي موجود ولحركة تاريخية تتطور من ذاتها أمام أعيننننا).

في الختام أهنئ كل الرفاق القائمين على عملهم والذين آثروا الانزواء جانباً أو المبعدين، بالذكرى 89 لميلاد حزبنا الذي ضمنا وجمعنا ووحد كلمتنا ذات يوم، وواجب علينا جميعاً أن نكون إلى جانبه الآن، لنجتاز هذا المنعطف المصيري في تاريخه. وللرفاق في القيادة أتوجه إليكم، على قلة تجربتي وخبرتي، بأن تحافظوا على عهد فرج الله الحلو، وعلى نقاء واستقامة رفاق استشهدوا تحت التعذيب، ليحافظوا على مكانة الحزب ودوره، ووجهه المستقل. فالأيام تدور فإما أن تطحننا في رحاها، وإما أن نقف على ناصيتها ويكون لنا أثر في كل لحظة منها.

إلى العمل وليس (ما العمل؟) لإعادة توجيه صفوف الحزب وعودته للحركة الشعبية ليكون أمامها ومعها، بمبدئية وصرامة، دفاعاً عن الوطن الحر والشعب السعيد.

العدد 1105 - 01/5/2024