محنة المخيمات لن تزعزع العلاقة المصيرية السورية الفلسطينية

لمصلحة من تواصل دول بعينها تصعيد الأزمة السورية؟ ولمصلحة من يجري زج فلسطينيي المخيمات في الصراع المحتدم بالبلد المضيف لهم؟ وهل ضاق الخناق على المجموعات المسلحة في ريف دمشق وانكشف تواطؤ الدول الداعمة لها، حتى لجأت إلى تغطية إخفاقها وجرائمها الوحشية بتعكير العلاقة السورية الفلسطينية، واستغلال خصوصية الوضع في مخيم الفلسطينيين وموقعه الحساس للانتشار فيه وترويع سكانه وتحميل الدولة السورية مسؤوليته الكارثية؟

ظل مخيما اليرموك وفلسطين بعيدين عن تداعيات الأزمة السورية طيلة الشهور الماضية، حتى اقتحام مجموعات من جبهة النصرة لهما وانتشارهم فيهما وتهجيرهم للسكان وتدميرهم لمشفى ومسجد. وقد تصدت للمسلحين اللجان الشعبية المكلفة بالدفاع عن المخيم، وأثار الوضع المتأزم في المخيمين وتطويق الجيش السوري، ومناشدة الخارجية السورية الأمم المتحدة أن تحث الدول التي دعمت المجموعات الإرهابية المسلحة وشجعتها على احتلال المخيم لغايات معروفة، لإجبار هذه المجموعات على الخروج فوراً، حفاظاً على حياة الفلسطينيين ولمنع تدميرهما.

وسارع ممثلو الفصائل الفلسطينية إلى عقد اجتماع لتدارس الوضع، وتوصلوا إلى تسوية تقضي بإخلاء المسلحين، ووقف إطلاق النار، وإسناد أمن المخيم إلى الفصائل الفلسطينية.

وسارعت وسائل الإعلام المضللة إلى توجيه الاتهام للجيش السوري بما وقع من أحداث وقتل وتهجير في المخيم، كما صدرت تصريحات عن أطراف داعمة للمجموعات المسلحة (بضرورة حماية الفلسطينيين في مخيم اليرموك). وصدرت تصريحات غرضها الإساءة إلى سمعة سورية، دعا مطلقوها إلى تسهيل مرور النازحين من مخيم اليرموك إلى لبنان أو إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة (كذا). ومعروف أن سورية قدمت للفلسطينيين على أراضيها امتيازات لم يقدمها أي بلد عربي مضيف، وعاملتهم كمواطنيها، ووقفت إلى جانبهم في النضال من أجل حق العودة، وأن يكون لهم دولتهم المستقلة.

وقد أوضح وزير الخارجية السوري وليد المعلم في اتصال هاتفي مع بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، تناول الأوضاع في مخيم اليرموك، وفي سورية عامة، ومهمة المبعوث الأممي الأخضر الإبراهيمي، أكد فيه المعلم مسؤولية جبهة النصرة الإرهابية التي دخلت المخيم عما جرى فيه، وأن الجيش السوري لم يدخل إلى المخيم. ورأى المعلم أن الأمم المتحدة مدعوة لتحمل مسؤولياتها إزاء الإحباط الذي يعيشه الفلسطينيون، بسبب عدم تنفيذ القرارات المتعلقة بحقوقهم المشروعة.

ونرى أن الأطراف التي راهنت على تصعيد العنف، واستغلال مشاعر الاستياء لإشعال فتنة مذهبية وإثارة صراعات طائفية، واستدعت التدخل الخارجي مباشرة أو بالواسطة، وألقت بثقلها المالي والتسليحي والإعلامي إلى جانب المجموعات المسلحة وفي واجهتها جبهة النصرة، والمجموعات التكفيرية الجهادية السلفية المرتبطة بتنظيم القاعدة، لم تقرأ جيداً سمات الشعب السوري الذي تستطيع أكثريته بأطيافها جميعها، أن تميز بين الأعداء والأصدقاء، وفاتها أن تدرك عمق تجربة السوريين ووطنيتهم الرافضة للأجندات الخارجية، وتمسكهم باستقلال قرارهم، وبالعلاقة المصيرية بين الشعبين السوري والفلسطيني، التي ضحى الشعب السوري فيها بالكثير من أجل الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.

ونرى أن المحاولات اليائسة التي حاول عبرها (الائتلاف الوطني السوري) ورئيسه معاذ الخطيب الدفاع عن جرائم (جبهة النصرة)، باعتبارها مكوناً من هذا الائتلاف الرافض للحل السياسي في سورية، وإصرار التيار السلفي في مصر والأردن ولبنان على مواصلة التورط في الأزمة السورية بغطاء قطري- تركي، ومساندة سعودية غير مسبوقة، وبتواطؤ من حزب الحرية والعدالة والإخوان المسلمين في مصر، تكشف كلها الأساليب غير الأخلاقية لهذا الحلف الجهنمي، واندماج هذه الأطراف جميعها في المشروع الأمريكي – الإسرائيلي لتفكيك المنطقة، وإثارة الفوضى في دولها، وإدارة ملفاتها المزمنة والجديدة بأسلوب يخدم مصالح قوى الهيمنة ويضيع حقوق شعوب المنطقة ووحدة دولها واستقرارها. ونرى أن نأي الفلسطينيين عن الأزمة السورية، في أماكن وجودهم، وفي مخيم اليرموك، والالتزام بما أعلنته الفصائل من خطوات جدية للحفاظ على أمن المخيم وإبعاد المسلحين عنه، وطمأنة قاطنيه والسماح بعودة النازحين منه، والحفاظ على الروابط التاريخية بين الشعبين السوري والفلسطيني، يساهم جدياً في تعرية المتورطين، ويعيد المصابين بعمى سياسي إلى رؤية الأخطار المحدقة بشعوب المنطقة ودولها، ويذكرهم بالحاجة إلى التضامن العملي لمجابهة هذه الأخطار واسترجاع الحقوق المضيعة أو المهددة بالتضييع.

العدد 1140 - 22/01/2025