اجتماع إسطنبول… واقع «الائتلاف» وتأثيره وارتباطاته
وأخيراً.. وبعد أيام من نقاشات ساخنة وجهود (داخلية) مكثفة هدفت إلى التوصل إلى تركيبة قيادية جديدة لما يسمى (الائتلاف السوري المعارض)، وبخاصة منصب رئيسه ونائبين له (إثر استقالة رئيسه الدوري السابق معاذ الخطيب في شهر آذار الماضي)، وبهدف حفظ ماء وجه هذا الائتلاف، و(ضبضبة) أوضاعه، فقد توصل اجتماع هيئته العامة في إسطنبول مطلع الأسبوع الحالي إلى انتخاب رئيس جديد له، ونائبين للرئيس، كذلك أمين عام للمجلس الوطني. وترافقت هذه الجهود الداخلية (الصرفة) مع تدخل إقليمي مباشر في إنجاح تحضيرات عقد هذا الاجتماع (سعودي- قطري- تركي)، على تبايناته، كذلك في المشاركة الفعالة في أعماله الهادفة إلى الوصول إلى تركيبة هيئاته القيادية الجديدة. كما شهدت التحضيرات لهذا الاجتماع وجلساته وأروقته وكواليسه، تدخل سفراء الولايات المتحدة (روبرت فورد، السفير السابق في دمشق)، وفرنسا (إيريك شوفالييه، السفير السابق في دمشق)، والبريطاني (جوناس ويلكس)، فضلاً عن وزير خارجية البلد المضيف أحمد داود أوغلو.
وأسفرت الجولة الثانية من انتخابات رئاسة الائتلاف عن حصول أحمد الجربا (مقرب من السعودية) على 55 صوتاً، مقابل 52 صوتاً فقط لمنافسه مصطفى الصباغ (مقرب من قطر)، وانتخاب سهير الأتاسي بأغلبية 76 صوتاً، وفاروق طيفور في الجولة الثانية (جماعة الإخوان المسلمين) نائبين للرئيس، وفوز بدر جاموس في الجولة الثانية أيضاً بغالبية 54 صوتاً على منافسه أنس العبدة.
وإذ عكست نتائج الانتخابات حالة الخلاف- التعارض (التنظيمي) المستمرة في الائتلاف منذ تأسيسه، والتي ازدادت حدة في الآونة الأخيرة، المترافقة مع ازدياد الانتقادات لهذا الائتلاف من المجموعات المعارضة الأخرى ومن حلفائه وداعميه، فإنها أكدت أن هذا الحسم الذي جاء في الجولة الانتخابية الثانية، باستثناء الأتاسي، وبأصوات متقاربة جداً، قد ساهم في إنجازها حضور الأطراف الإقليمية، على تبايناتها، كذلك في الإصرار (الغربي)- الأمريكي على إنجاز هذه الانتخابات في هذا الاجتماع تحديداً، الذي تأجل أكثر من مرة (لكل من هذه الأطراف أهدافه وتصوراته)!
كما ساهم في إنجاز هذا الاجتماع لمهمته الانتخابية، وتالياً تركيبة هيئاته القيادية، التطورات الميدانية الجارية في الكثير من المناطق السورية لمصلحة سورية وسياساتها وتوجهها، على أهميتها ومغزاها، كذلك التطورات الجارية في المنطقة، وبخاصة التغيير المصري الهام، وأزمات دول ما يسمى ب(ثورات الربيع العربي)، فضلاً عن أزمات الدول الإقليمية الأخرى الداعمة لهذا الائتلاف والمحتضنة له (قطر، السعودية، تركيا). كذلك إصرار الولايات المتحدة والعديد من الدول (الغربية) المنشغلة بالأزمة السورية، على ضرورة التوصل إلى تركيبة قيادية متوافقاً عليها في داخل الائتلاف، وفي صفوف الدول الداعمة والمؤيدة له، في سياق التحضير لعقد مؤتمر جنيف ،2 الذي يمثل عدم توصل الائتلاف إلى صيغة قياديه له، أحد معوقات عقده. (وهذا ما أشارت إليه موسكو مراراً، بوصفها أحد راعيي (تفاهم) موسكو الأخير).
ودون الخوض في اتهامات الائتلاف السياسية لسورية، رغم الملاحظات تجاهها، حول استخدام سورية السلاح الكيميائي (وهذا ما فندته اللجنة الدولية المستقلة، التي اتهمت إحدى أعضائها (كارلا ديل بونتي) العصابات المسلحة الإرهابية باستخدامه)، أو المطالبة بفتح ممرات إنسانية وحماية المدنيين، وهذا ما تدحضه الوقائع الدامغة، حول إمكان إقامة هذه الممرات، أو حول مسؤولية العصابات المسلحة عن إرهاب المواطنين وتهجيرهم (التفجيرات الإرهابية ضد المدنيين، إخلاء المناطق التي تعد حالياً خارج سيطرة الدولة من سكانها.. إلخ)، وغيرها من الشعارات الممجوجة والمفضوحة، فإن اجتماع إسطنبول تجاهل نتيجة ل(ظروفه) وطبيعة (تركيبه) هيئاته القيادية الجديدة القضايا الرئيسية للأزمة السورية.
هذه القضايا المتمثلة في الموقف من الأزمة السورية وطرق حلها، والموقف من مسألة الحوار والحل السياسي، وموقف الائتلاف من مؤتمر جنيف 2 الدولي، وتالياً موقفه من استمرار الأزمة السورية وتداعياتها على سورية وطناً وكياناً وشعباً.. كذلك موقف هذا الائتلاف من المعارضات السورية الأخرى، وبخاصة الوطنية الداخلية منها، وعدم تحديد موقف واضح أو ملتبس، مرة أخرى من العصابات المسلحة الإرهابية ومن العمليات الإرهابية التي تقوم بها ضد المواطنين، ومن تدمير البنى التحتية للدولة السورية ومخططات إنهاك اقتصادها الوطني السوري أيضاً.
وإذ أكدت العملية الانتخابية المفترض إنجازها كل ستة شهور، والمؤجلة مراراً، حقيقة (الوضع الداخلي لهذا الائتلاف من جهة، وانعكاسات التباينات بين الدول الداعمة له، على أطراف الائتلاف ورموزه من جهة ثانية، فإنها أكدت مرة أخرى أن قراره لا يخضع له بتاتاً، وإنما لطبيعة تعاطي أجنحته ورموزه السابقة والقائمة مع هذه الدول وتوجهاتها وتبايناتها، وخاصة ما بين الاتجاه الإخواني والاتجاهات الأخرى، وبضمنها السلفية على علاتها.
كما أكد هذا الاجتماع بتجاهله القضايا الأكثر إلحاحاً (الموقف من الأزمة في سورية، طبيعة وآليات حلها، الموقف من المعارضات الأخرى.. إلخ)، استمرار هذه التعارضات (السياسية) و(التنظيمية) في صفوف هذا الائتلاف، وعدم تمكنه بعد سنتين أو أكثر قليلاً على إقامته من إيجاد قاسم مشترك في صفوفه، أو حتى مجرد (التوافق) على لافتة تجمع أطرافه ورموزه، وبقاء هذا الائتلاف يتغنى بلافتة واحدة عنوانها تغيير النظام، التي خفت حدتها ولهجتها في اجتماع إسطنبول الأخير، لاعتبارات وحسابات (إئتلافية) و(إقليمية) و(دولية)، ولهذا مدلولاته أيضاً.
نجحت الأطراف الدولية (الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا)، والإقليمية (قطر، والسعودية، وتركيا)، فضلاً عن التطورات الميدانية الجارية في سورية، والمتغيرات الجارية في المنطقة، فضلاً عن الأجواء الدولية الإيجابية الآخذة بالتزايد والاتساع حول الموقف من الأزمة السورية وضرورة حلها، نجحت بمجموعها في إلزام الائتلاف، في اجتماع إسطنبول الأخير، بالتوصل إلى انتخاب هيئة قيادية جديدة له، جاءت بعد مخاض عسير كشفت واقع هذا الائتلاف الداخلي من جهة، ومدى تأثره بالمتغيرات والتطورات الجارية من جهة ثانية. وأثبتت في الوقت نفسه حقيقة واقع هذا الائتلاف (الداخلي والسياسي) بعد أن كشفت سنتا الأزمة إمكانات هذا الإطار الفعلية، ومدى تأثيره في الداخل السوري وفي صفوف الشعب السوري ومكونات الحالة السورية، مقارنة على الأقل بالمجموعات والعصابات الإرهابية الناشطة في سورية.
وبالتالي قدرة هذا الائتلاف وما يمثله على التعاطي مع هذه الأطراف الإرهابية المسلحة من جهة، ومع المعارضة الوطنية الداخلية من جهة ثانية، فضلاً عن موقف الشارع السوري المتضرر من هذه الأزمة أولاً وأخيراً.. وهذا ما يطرح تساؤلاً كبيراً حول هذا الإطار وحقيقته وأهدافه كطرف مفترض في معادلة حل الأزمة السورية المطروحة بقوة أكثر من أي وقت سابق.