سيناريو أمريكي جديد في العراق

أسئلة كثيرة تطرح نفسها لما يحدث من هجمات إرهابية في سورية والعراق وأخيراً في لبنان: لماذا الآن انطلقت الصحوة الأمريكية؟ وما الهدف من ورائها؟ ولحماية من بالذات؟ أم أنه كما يقول المثل الشعبي (حاميها حراميها)؟

لقد مر على الأزمة السورية أكثر من ثلاث سنوات في مصارعتها مع المجموعات الإرهابية، التي تم تأسيسها بقرار أمريكي، وتمويلها وتزويدها بأسلحة وعتاد وتدريب وأمور لوجستية أخرى من السعودية وقطر وتركيا، لضرب سورية واقتصادها.. وهو مانراه اليوم من هجمات إرهابية على الأماكن الآمنة وترويع السكان وتهجيرهم وضرب كل المنشآت الاقتصادية، بدعم الأمريكان والغرب وبعض الدول الإقليمية. أما إذا تمعنا بما حدث منذ شهور ويحدث في العراق الشقيق من هجمات إرهابية ممنهجة ومنظمة من قبل داعش بالذات وباقي الفصائل الإرهابية، وهي يوماً عن يوم تنخر وتؤزم الوضع العراقي، إلى أن وصل إلى الذروة باحتلال داعش الإرهابية مدينة الموصل، وترويع سكانها وتهجيرهم وبشكل خاص المسيحيين، إضافة إلى العديد من القرى المحيطة بالموصل، ولم نرَ أي تحرك أو استنكار عربي أو دولي لما يحدث، وكان الصمت الأمريكي مروّعاً، لأن كارثة الموصل تعتبر تهجيراً جماعياً ممنهجاً ومنظماً وله أهدافه البعيدة.. وتطورت الأحداث إلى أن بدأت داعش بالامتداد وتوجيه ضربات إلى المناطق التي دخلت منها، والتي تم تسهيل دخولها منها بطلب أمريكي لتوجيه ضربات إلى حكومة المالكي.. وبالتزامن مع تصريح البرزاني وقتئذ بانفصال الإقليم عن المركز وتحقيق الحلم القديم بإعلان دولة كردية مستقلة. وبدأت الأحداث تتسارع، حتى تم تهجير مئات الألوف من السكان الأصليين من مسيحيين وإسلام (سنّة وشيعة)، حتى تطور عنف الإرهاب إلى اليزيديين، وبدأت داعش بتوجيه هجمات إلى أربيل ومناطق في كردستان العراق. وهنا بدأت الصحوة الأمريكية لنجدة الحليف، وشعرت أمريكا بخطورة الوضع، وبدأت توجه ضربات بالطيران الأمريكي لتجمعات داعش في العراق.. وقد أكد ذلك خطاب الرئيس الأمريكي أوباما يوم الأحد، من أنهم لن يسمحوا بامتداد توسعات الجهاديين في العراق.

وتوازياً مع هجمات داعش في العراق، شهدناً أيضاً انفجار بقعة جديدة في منطقة الجوار والمباغتة بالهجوم الإرهابي من داعش والنصرة وبقية التنظيمات الإرهابية في عرسال، ومحاولة الانتشار إلى باقي الأراضي اللبنانية، ولكن بفضل بسالة الجيش اللبناني البطل وتضحياته وبالتعاون مع الجيش السوري ورجال المقاومة، تم تلقينهم درساً لاينسى، وقتل منهم العشرات وتم تدمير جزء من آلياتهم، مما اضطرهم إلى الهروب والانسحاب إلى جرود عرسال، بعد أن بطشوا ودمروا وسرقوا منازل ومحال السكان الآمنين في عرسال.. وجاءت الصحوة السعودية وإرسال الحريري محملاً بمليار دولار، قيل إنها معونة للجيش اللبناني.

وجاءت كل هذه التطورات المتسارعة للمجموعات الإرهابية وتفجير المنطقة بالكامل، تزامناً مع عدوان إسرائيلي غاشم على قطاع غزة.. والتناقض المبطن الذي ظهر واضحاً إلى العلن بما يسمى كذباً ونفاقاً بمكافحة الإرهاب، في الوقت الذي نرى أن الإرهاب يتم دعمه علناً من قبل أمريكا والدوائر الصهيونية والغربية وبشكل سافر، على مدى أكثر من ثلاث سنوات في سورية، وبعد أن تم تدمير العراق وتهجير سكانه، أتت الصحوة الأمريكية الهزيلة، لتركب الموجة من جديد ولتكمل مخططها التدميري في المنطقة، وتهجير ما تبقى من المسيحيين وبقية الأقليات، لتمرير وتحقيق المشروع الصهيوني الأمريكي بإعلان الدولة اليهودية الصرفة، وتهجير ماتبقى من الفلسطينيين العرب في إسرائيل، والدخول بمأساة أخرى وجديدة للشعب الفلسطيني، بعد أن تكون قد دمرت المنطقة بالكامل وقُسّمت بسايكس بيكو جديد.

العدد 1104 - 24/4/2024