محطات من سيرة حياة ليندا مطر

(الحديث عن ليندا مطر وكتابها امتحان أخشى السقوط في قراره العميق).

هذه الكلمات لمسؤولة العلاقات الخارجية في لجنة حقوق المرأة اللبنانية الأستاذة عائدة نصرالله الحلواني)، الناشطة إلى جانب ليندا مطؤ منذ أكثر من خمس وثلاثين عاماً…

ليندا مطر اسم يحمل في ثناياه الكثير من المعاني، فهي من أبرز المناضلات في ميدان الدفاع عن حقوق المرأة في لبنان خاصة، وخير مثال للمناضلة من أجل حقوق الإنسان عامة.

حياتها لا تختصر بكتاب أو بكلمات قليلة، بل يمكن العثور عليها في خزائن النضال الوطني والسياسي والاجتماعي..

 

محطات غنية

الكتاب صادر عن دار الفارابي  بيروت  يعكس المسيرة النضالية الطويلة في أعرق منظمة نسائية من منظمات المجتمع المدني في لبنان): (لجنة حقوق المرأة اللبنانية) المعنية بشؤون المرأة خاصة وبالنضال الوطني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي عامة.

في كتابها المتواضع قسمت مطر مدارسها في الحياة إلى أربع مراحل: مدرسة راهبات المحبة الناصرة (الفرع المجاني). وفي مدرسة العمل: معمل الجوارب ومعمل الحرير، حيث اكتشفت ظلم الإنسان واستغلاله، وفي أوائل الخمسينيات بدأت (الدراسة) على مقاعد لجنة حقوق المرأة اللبنانية. واكتشفت أن هذه المنظمة تجيب عن عدد كبير من الاسئلة التي كانت تشغلني.. وفي هذه الأثناء تعرفت إلى الحزب الشيوعي عبر حلقة الأصدقاء التي عرّفتني إلى كتابات ماركس وأنجلز ولينين وفكرهم، فحصلت على توضيحات حول قضايا كثيرة كانت تشغل تفكيري.. وأول اجتماع حضرته في الحلقة الحزبية كان يدور حول أوضاع العمال والفلاحين وحول الديمقراطية وحقوق الإنسان. قررت الانضمام إلى الحزب. وناضلت في صفوفه أكثر من عشرين عاماً. تقول:

(كان لي الشرف أن أحضر انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في 16 أيلول 1982 التي وضعت اللبنة الأولى في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. والتي شكلها الحزب الشيوعي اللبناني.

بعد ذلك كرست كل الوقت للجنة حقوق المرأة دون أن تتغير مبادئ هامة وأساسية في نضالي وتوجهاتي ولن تتغير!

ساهمت ليندا في مهرجان برلين للشباب، وهذه المساهمة أدخلتها السجن عند عودتها من دون مبررات رسمية وقانونية واضحة، واتضح لها فيما بعد البعد السياسي (للتهم) الجنائية التي وجهت إليها.. تؤكد ليندا في كتابها أنها تدين بأفكارها التقدمية لمبادئ الاشتراكية العلمية التي تساوي بين كل الناس. وأنها ستناضل حتى آخر لحظة من حياتها من أجل رؤية المواطن اللبناني رجلاً  كان أم امرأة حراً كريماً طليقاً من كل قيد طائفي أو مذهبي. فهنا تكمن اللبنة الأساسية للمساواة.

تضمّن الكتاب فصلاً كاملاً عن لجنة حقوق المرأة، أول منظمة نسائية ديمقراطية علمانية على الساحة اللبنانية تأسست عام  1947 ولها فروع في جميع المحافظات اللبنانية، وتتبوأ اللجنة حضوراً مرموقاً على الصعيد المحلي والعربي والعالمي، فهي عضو في المجلس النسائي اللبناني، عضو مؤسس للجنة الأمهات، وعضو مؤسس في الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي الذي يحتفل هذا العام بالذكرى السبعين لتأسيسه.

في مجمل نضالها كانت ليندا رمزاً للجرأة والمثابرة والالتزام بالعمل، كرست حياتها من أجل الدفاع عن حقوق المرأة، وحمايتها من العنف. حددت طريقها وهي شابة صغيرة تقتحم الحياة القاسية منذ طفولتها. على جبينها وفي سماتها العامة نقرأ تاريخ شعب، وفي ملامح وجهها ما  يشبه الوطن.

من هي ليندا؟ تقول ليندا من خلال صفحات كتابها:

(أنا مواطنة لبنانية أتيح لي خلال سنوات عمري أن أحصد رصيداً ثميناً لا يباع ولا يشترى اكتسبته بفضل مدارس تلقنت منها احترام الإنسان والدفاع عن حقوقه ومحاربة أسباب جهله وفقره ومرضه وتشرده، وصولاً إلى الإسهام الفاعل في مواجهة التحديات على مختلف الصعد).

في كتابها تروي قصة نضال مرير من أجل الحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي. وخلال أكثر من نصف قرن من انخراطها في العمل، تنوعت المعارك والنضالات التي خاضتها ورفيقاتها في بلد مثل لبنان شديد التعقيد وعرضة للنزاعات المتكررة. ولا معركة أساسية على طريق التقدم والتحرر والتغيير إلا وكانت ليندا ورفيقاتها في صفوفها، في سبيل تحسين أوضاع المرأة والتشريعات الناظمة لحقوقها إلى المعارك المطلبية والجزئية والوطنية، إلى النضال السياسي الذي يستهدف بناء دولة القانون والعدالة الاجتماعية ومكافحة الطائفية البغيضة، وتعميم ثقافة المواطنة ومشاركة المرأة في الحياة العامة وهي ركيزة الديمقراطية في لبنان.

ترشحت ليندا باسم المجلس النسائي اللبناني عندما كانت رئيسة له لدورتين انتخابيتين للبرلمان (1996 ) و (2000). كانت تدرك تماماً عدم إمكانية فوزها. لكنها أرادت أن تقول للجميع، نحن هنا كنساء ومستعدات لخدمة الوطن، من داخل البرلمان، ولكنكم أنتم من يعيقنا. ونيلها 8 آلاف صوت في بيروت من دون سند طائفي أو مذهبي أو تبنٍّ من زعيم، هذا يبرز موقعها الهام على الخريطة العامة من جهة ويثبت من جهة أخرى، أن الكفاءة الشخصية والتاريخ النضالي ليسا إطلاقاً من متطلبات الوصول إلى المجلس النيابي.

وأيضاً في رئاسة المجلس النسائي اللبناني الذي اضطلعت برئاسته أربع سنوات 1996  2000 عجزت عن إلغاء المداورة الرئاسية داخل المجلس طائفياً، وتبني طرح قضية قانون مدني اختياري وموحد للأحوال الشخصية. المجلس نفسه يضم نحو 180 جمعية نسائية ليس سوى صورة عن لبنان وطوائفه.

ساهمت في الكثير من المؤتمرات المحلية والعربية والدولية وكانت مدافعة باسلة عن القضايا العربية وخاصة قضية فلسطين.

كما جرى تكريمها في الكثير من المرات، من قبل الهيئة الوطنية التي ضمت شخصيات وطنية وسياسية وثقافية وحزبية وإعلامية، كما حازت ليندا على وسام الأرز الوطني من رتبة فارس عام 1998  ووسام الأرز الوطني اللبناني أيضاً عام 2010  وغيره من الأوسمة. وفي عام 1995 اختارتها مجلة (ماري كلير) الفرنسية واحدة من 100 امرأة يحركن العالم، وهي عضو في المجلس الاقتصادي الاجتماعي في لبنان.

وتقول أخيراً في كتابها بكل تواضع:

بعد قراءة ما كتبت وجدت أني كنت عاجزة عن تحقيق ما كان ينتظره الآخرون مني، لأن محطات حياتي لا تختلف كثيراً عن محطات لكل إنسان رجلاً كان أم امرأة، خاض ويخوض معترك النضال الهادف إلى المساواة في الحقوق والواجبات.

وتضيف ليندا أن كل ما تتمناه هو أن ترى المرأة في بلادها تتمتع بجميع حقوقها السياسية والوطنية والثقافية والإنسانية. إنه حلمها الكبير الذي تعمل من أجله.

العدد 1104 - 24/4/2024