الغلاء.. إرهاب آخر للمواطن السوري

تشهد سورية منذ عدة أشهر وجهاً آخر من أوجه الإرهاب المخيف، إرهاب من نوع آخر دخل في شكل جنون للأسعار.. وإذا كان الإرهاب الدموي منتشراً في المناطق الساخنة، فإن الغلاء الجنوني انتشر في جميع مناطق سورية. إذ تقف الأسر مكتوفة الأيدي في ظل غياب شبه كامل للجهات الرقابية والتموينية من جهة، والإجراءات الضرورية واللازمة لحماية المواطن.

وإذا أردنا أن نتعمق أكثر ينتصب السؤال للمعنيين في الاقتصاد السوري: لو أن أسرة مؤلفة من خمسة أشخاص أرادت أن تكتفي بتناول سندويش الفلافل طوال الشهر بمعدل واحدة لكل وجبة، أي خمس عشرة سندويشة يومياً، فإذا تحولنا إلى لغة الأرقام، فالأسرة تحتاج إلى نحو 10 آلاف ليرة شهرياً. وإذا أرادت الأسرة أن تتمادى في الترف وتتوج هذه الوجبة الشهية بكوب من الشاي، يكون الراتب قد انتهى. وإذا أدخلنا في الحسبان فواتير الكهرباء والماء والهاتف الأرضي والغاز والتدفئة والملابس والهاتف الخليوي والصحة، وإذا أخذنا أحد أوجه الإنفاق، وليكن النقل في المناطق غير الساخنة، وجدنا أن الطالب المقيم خارج المدينة يحتاج للوصول إلى الجامعة والعودة منها نحو 150 ل.س بالحد الأدنى، أي ما يقارب 4000 ليرة شهرياً على أساس أيام الدوام الفعلي.

فأي منطق يقبل أن يصل سعر الكيلوغرام من الفروج المذبوح إلى أربعمئة وخمسين ليرة في يومين؟ وأي منطق يقبل بأن تسعّر أصناف الفاكهة الصيفية بمئات الليرات؟

طبعاً هناك أكثر من منطق وشرع غير مقبولين تشهدهما أسواقنا خففا سلة المواطن الغذائية إلى الربع.

على خلفية ما تقدم، يمكن أن نستنتج أمرين:

الأول: أن الحكومة تعلم بوجود الخلل في الأسعار والأسواق.

الثاني: سعي الحكومة إلى أن تكون هي الجهة التي عليها توفير المواد الضرورية، تزود المواطن بحاجاته اليومية في محاولة لكسر الأسعار اللاهبة في السوق.

وكانت الحكومة منذ أكثر من شهرين قد اتخذت قراراً باستيراد مادة الفروج المجمد، لتبيعها للمواطن مقابل مئة وخمس وسبعين ليرة للكيلوغرام الواحد، أي في المعطيات الحالية، بنحو 35% من سعر السوق.. لكن إلى هذه اللحظة لم نر في صالات مؤسسة الخزن هذا الفروج. نظن، وبعض الظن إثم، أن هناك من يسعى لعرقلة هذه الخطوة، مستفيداً ومسيئاً إلى أبسط المفاهيم الإنسانية. والآن يسأل المواطن السوري: ماذا فعل المعنيون في الاقتصاد السوري ليواجهوا هذا الإرهاب الذي ينتقل باتجاه كل المدن والبلدات السورية ويهدد بإشعال الاضطرابات؟

الجواب: برغم كل التصريحات والاجتماعات والجولات على أرض الواقع، لم يفعل أحد شيئاً، ولم أسمع بإلقاء القبض على صاحب محطة وقود وإنزال أقصى العقوبات بحقه. وهنا لا أتحدث عن العقوبات التموينية البسيطة (غرامة 500 أو حبس مع وقف التعبئة)، إننا نتحدث عن اتخاذ إجراءات استثنائية توازي ما يجري على الأرض السورية.

نحن ندرك حجم التآمر على بلدنا الحبيب سورية، والعقوبات الجائرة والظالمة التي فرضتها الدوائر الإمبريالية وبعض الرجعيات العربية، وندرك أيضاً أن هؤلاء المتآمرين يريدون أخذ بلدنا من الداخل، واستغلال الواقع الاقتصادي والمعيشي لجماهير شعبنا، لذلك فإن تجاوز هذه الأزمة رغم حدتها يكون بعودة الدولة لتكون راعية للطبقات الشعبية الكادحة وعوناً لهم، وذلك بإعادة دور مؤسسة التجارة الخارجية، ودعم المؤسسات الاستهلاكية، ودعم منتجاتنا الزراعية والصناعية وتأمين مستلزمات الإنتاج، لأن الطبقات الشعبية من عمال وفلاحين ومنتجين هم الداعم الأساسي للسياسة الوطنية والمقاومة للمشاريع المشبوهة.

ختاماً لعل كلماتنا تجد آذاناً مصغية من المعنيين، فيتحركون سريعاً بعيداً عن التصريحات الرنانة واللقاءات التلفزيونية من أجل إيجاد حلول حقيقية لمشكلة مواطننا الصابر الذي يدفع الثمن أولاً وأخيراً.

العدد 1102 - 03/4/2024