التجار «يعايدون» المستهلك برفع الأسعار الجنون يضرب أسعار الفواكه والخضار!

ما إن جاء العيد حتى ظهر (كرم) التجار في رفع الأسعار، وأصبح الفران وبائع الخضار وسائق التكسي والسرفيس ومحطات الوقود يأخذون (العيدية الإجبارية) من كل مواطن، وذلك بزيادة أسعار الخدمات التي يقدمونها أو المواد التي يبيعونها، وكأن المستهلك قادر على دفع المزيد من دخله الذي أصبح هزيلاً أمام عملقة الأسعار.

فقد شهد عيد الأضحى هجمة شرسة شنتها الأسعار على معظم أنواع الخضار والفواكه في معظم الأسواق، مسجلة أسعاراً قياسية لم تسجلها سابقاً.. فخبز الفقراء (البطاطا) سجل رقماً فلكياً جديداً، فقد بلغ سعر الكيلو غرام الواحد 160 ليرة، وبالطبع فإن البطاطا تعد مادة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، أو إيجاد بديل آخر ينوب عنها، وطال الارتفاع أيضاً الخيار.. فبلغ سعر الكيلو الواحد 300 ليرة، ولم يكن حال البندورة أفضل، بل أصابتها العدوى بسرعة ليسجل سعر الكيلو الواحد 150 ليرة، حتى البصل بات سعر الكيلو الواحد 65 ليرة، والباذنجان 85 ليرة، والبقدونس والكزبرة 20 ليرة، والتفاح ابتداء من 120 ليرة وصولاً إلى 220 ليرة للكيلو الواحد، والبرتقال 100 ليرة، والعنب 140 ليرة، ليقع المستهلك في حيرة من أمره عن كيفية تلبية متطلباته اليومية من هذه المواد الأساسية، فبات شراء الخضار بالغرامات فقط، وكأنه يقوم بشراء الذهب! فالبندورة أصبح يشتريها بالحبة وكذلك البطاطا والخيار والبصل والكوسا والباذنجان ووو.. ولم يعد لدى المستهلك قدرة شرائية لكي يملأ (كيس) الخضار عند البائع، لأن ذلك سيكلفه الكثير.

وبالطبع فالذرائع والمبررات موجودة لدى أغلب البائعين، فبعد أن كان الدولار هو الحجة والذريعة الأكثر تداولاً بين مختلف الحلقات التجارية، أصبحت تكاليف النقل هي اللاعب الرئيسي في ارتفاع الأسعار، وهذا ما أشار إليه النائب الاقتصادي قدري جميل في أحد تصريحاته الإعلامية، فقد أوضح أن النقل يشكل ما لا يقل عن 50% من تكلفة المنتج، وهو السبب في ارتفاع الأسعار وعدم انخفاضها.

وإضافة إلى ذريعة النقل، هناك ذريعة أخرى، وهي أن الإنتاج الزراعي قليل وفق ما ذكرته وزارة الزراعة سابقاً، إذ أشارت إلى أن قلة المساحات الزراعية المنتجة أثرت على العرض في الأسواق، وهذا أثر أيضاً على الأسعار، وهذا ما أشارت إليه أيضاً مديرية حماية المستهلك بدمشق، ولكن هل لعبت العوامل السابقة دوراً في رفع الأسعار لهذه الدرجة الجنونية؟.. وماذا عن تلاعب التجار، وخاصة في سوق الهال؟ وماذا أيضاً عن التلاعب بسعر المازوت الخاص بالنقل؟ وأين هي إجراءات الحكومة في تلبية حاجة السوق من الخضار، سواء من الإنتاج المحلي أو عن طريق الاستيراد لكسر حدة الأسعار التي تتزايد يوماً بعد يوم؟

الشيء الغريب ما ذكره أحد العاملين على نقل الخضار من سوق الهال بدمشق إلى بائعي المفرق في ريف دمشق، فقد ذكر ل(النور)، أن هناك بعض السائقين يأخذون نحو 4 ليرات على كل كيلو يقومون بنقله إلى بائعي المفرق كأجرة لهم، وبالتالي يقوم بائع المفرق بوضع هامش ربحه بعد احتساب سعر البضائع وتكلفة النقل، إضافة إلى احتساب قيمة ما قد يتلف من البضائع، وهذا الهامش يختلف من بائع مفرق إلى آخر، فهناك من يضع هامشاً قليلاً لا يتجاوز 10 ليرات، وهناك من يضع هامشاً كبيراً يصل إلى 50 أو 60 ليرة على كل كيلو من الخضار والفواكه.

ولفت إلى أن هناك بعض السائقين يضعون على كل كيلو يقومون بنقله من سوق الهال بدمشق إلى أسوق ريف دمشق نحو 40 ليرة، وذلك حسب طول المسافة أو الصعوبات التي يواجهونها، لافتاً إلى أن مسألة النقل يحكمها حالياً المزاجية عند السائقين وبعض العوامل الأخرى مثل الطرقات.

وضرب في ذلك مثلاً حيث قال: (حمولة لا على التعيين من البضائع من حلب إلى دمشق تكلف وسطياً نحو 400 ألف ليرة، في حين أن الحمولة نفسها في حال خرجت من دمشق إلى حلب، فإن السائق نفسه يأخذ أجرة نقلها نحو مليون و200 ألف ليرة، على الرغم من أن المسافة التي يقطعها في الذهاب أو الإياب هي نفسها).

وأشار إلى أن تكلفة النقل ارتفعت نتيجة عدم توفر مادة المازوت بسعر نظامي، ذلك أن أغلب السائقين يقومون بتعبئة المازوت من بائعين في سوق الهال بسعر 100 ليرة للتر الواحد، وهم مضطرون لهذا الأمر، نتيجة عدم توفره في المحطات، لذا فإن تكلفة النقل ترتفع وبالتالي ينعكس ذلك على أسعار الخضار والفواكه، وبالطبع المستهلك النهائي هو من سيدفع من جيبه كل شيء.

وأشار إلى أن أسواق دمشق وريفها تعدّ الأرخص مقارنة مع أسواق المحافظات الأخرى، فعندما كانت البندورة تباع ب 100 ليرة في دمشق، فإن سعرها في أسواق محافظات شرقية وشمالية وصل إلى 200 ليرة وربما أكثر وذلك نتيجة تكلفة النقل وتحكّم التجار بذلك.

ولفت إلى أن تجار الجملة في سوق الهال هم المتسببون الرئيسيون في رفع أسعار الخضار، ذلك أنهم بعيدون عن الرقابة ويقومون بعمليات البيع عن طريق المزاد. فمثلاً تأتي شاحنة محملة بمادة البندورة، فيبدأ المزاد بحضور تجار الجملة، ويكون السعر مثلاً 75 ليرة للكيلو، وينتهي المزاد ليصبح سعر الكيلو بالجملة ب100 ليرة، ثم يقومون ببيعه لبائعي المفرق ب105 أو 110 ليرات، ويضاف إليه أسعار النقل وما قد يتعرض للتلف، وبهذا الأمر نجد أن الأسعار ترتفع ارتفاعاً غير منطقي، فهي لا تخضع للعرض والطلب، بل للمزايدة ولقوة التجار وبعض المحتكرين في السوق والمتلاعبين في عرض المادة. فيمكن لتاجر أن يسحب المادة من السوق ليوم واحد ليرفع سعرها في اليوم الثاني.

 

ماذا عن أسواق الجملة

والتدخل الحكومي؟

بعد عرض السابق، يبقى القول بأن أسواق الجملة تعدّ المؤثر الأكبر على الأسعار، ذلك أن بائع المفرق قد يؤثر على عدد قليل من المستهلكين، في حين أن بائع الجملة سيؤثر على أسواق بأكملها، فمن الضروري أن تعمل الجهات الرقابية على ضبط أسواق الجملة، وخاصة أسواق الهال وأسواق المواد الأساسية، ومراقبة التكلفة الحقيقية للمواد، وجعل قانون العرض والطلب هو الساري في سوق الجملة، لا مضاربات التجار ومزايداتهم واحتكارهم، مع أهمية تحقيق عنصر المنافسة بين التجار والقضاء على الاحتكار ودخول مؤسسات التدخل الإيجابي بشكل قوي في الأسواق، وطرح كميات كبيرة من الخضار والفواكه بأسعار منافسة، وعدم اقتصار ذلك على أسواق دمشق، بل توسيع دائرة نشاطها لتشمل بقية المحافظات، مع أهمية دراسة حاجة الأسواق من الخضار والفواكه وتلبيتها من قبل الحكومة، لكسر احتكار بعض التجار لها. كما يجب التنبيه إلى أهمية أن تقوم وزارة التجارة الداخلية أو المحافظة بتخصيص كمية محددة يومياً من المازوت، بسعره النظامي، لناقلي المواد الغذائية المختلفة، بحيث تُؤخذ هذه الكمية من المازوت من إحدى المحطات الموثوق بها، مع مكافحة تجار المازوت في معظم الأسواق، وعدم الرأفة بهم، والضرب بيد من حديد على كل من يتلاعب بقوت الشعب. ونعود ونؤكد أهمية مراقبة أسواق الجملة والفواتير المتداولة والتكاليف الحقيقية، لأنها المؤثر الأكبر على باقي الأسواق، فالمستهلك لم يعد لديه قدرة على مجاراة الأسعار الحالية، وخاصة أنها طالت مواده الغذائية الأساسية.

وكانت مديرية الإنتاج النباتي في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، قد أوضحت أن تدني نسبة تنفيذ المساحة المزروعة بالخضراوات، كان لها الأثر الأكبر في نقص الخضراوات في الأسواق المحلية.

ومددت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية منتصف أيلول الماضي، العمل بقرار وقف تصدير جميع أنواع الخضر حتى نهاية العام الجاري.

العدد 1105 - 01/5/2024