أين نهاية الطريق؟

لا أعرف بمَ سأصف الحالة المزرية التي وصلت إليها شعوبنا ومجتمعاتنا العربية بكل تناقضاتها البالية، ومالم تكن اليوم تتوقعه أصبح يحدث وتسمعه وتقرؤه وأنت في غيبوبة أو حلم أو في عالم ثان؟ فهل يعقل، وهو مجال للاستغراب، أن ينقلب العديد من الناس الذين كانوا في عقود سابقة الوجه الصحيح للعلمانية، وكانوا ضد التعصب، وعاشوا وعائلاتهم حياة طبيعية أشبه بالعادات المتطورة والراقية، وكانوا يستنكرون التطرف وماقامت به المجموعات المتطرفة والمتعصبة منذ الستينيات ومن قبل ماكان يمثله تاريخ الإخوان المسلمين الحافل بالعنف والقتل والتصفية الجسدية، ولاأزال أتذكر الحملة الشعواء على مكاتب للأحزاب بهدف القتل والتصفية الجسدية، وسقط عدد من الشهداء، بدلاً من العمل السياسي، كما جرى الهجوم على العديد من الأحياء العلمانية والمتطورة في حمص وحلب وبقية المحافظات السورية، وعدد لابأس من الدول العربية.

الغريب اليوم أن من استنكر هذه التصرفات في تلك الأيام، يجيش اليوم بالحقد الطائفي، ويتكلم بلغة (سني – شيعي) مع الأسف، وهم من النخب الاجتماعية من أطباء ومهندسين ومحامين ورجال أعمال، والبعض كان يدعي التقدمية لا بل الماركسية، ولكن أي ماركسية تأخذه إلى هذا المنطق؟ حتى وصل بهم المطاف إلى تأييد النصرة وداعش لما تقوم به على أساس أنها فريق (سني)، والوقوف ضد حزب الله وكل إنجازاته والتهجم عليه لأنه (شيعي).

هل وصلت مرحلة التفكك والحقد بين أبناء الوطن الواحد إلى هذه الدرجة؟ إنه مؤشر سيئ، وأدعو أصحاب الضمير والعقلاء والوطنيين، إلى العمل على محاربة هذه الظاهرة والحد منها، وتحويل الصراع من طائفي إلى صراع سياسي بحت. لأن الاستمرار على هذا النهج المتطرف سيوصل إلى المزيد من التعصب والتطرف، وضرب قواعد العيش المشترك والوحدة الوطنية التي كانت ولاتزال على مدى عصور هي البوصلة الموجهة الرئيسية للمجتمع السوري، وهذا لا يتحقق إلا بنشر الوعي وتعاضد جهود كل الوطنيين والشرفاء والأحرار والعلمانيين لفضح أساليب تشويه الدين لمآرب وأجندات سياسية وخارجية، والحد من الفتاوي المحرضة والتكفيرية البعيدة عن الدين والتي تشوه صورته داخلياً ودولياً، لأننا بأمسّ الحاجة اليوم إلى المزيد من التكاتف والتوحد لكل أطياف المجتمع بفئاته السياسية والدينية، لأن الوطن للجميع.

العدد 1105 - 01/5/2024