فيسبوكيات….الساخرون الجدد

من رحم الأزمة العنيفة التي تكاد تطيح بالوطن السوري، إذا لم يعد الجميع إلى لغة العقل والمنطق في حلها، وبقي الإصرار على الحل الأمني مستمراً، من رحم هذه الأزمة ولدت ظواهر وحالات فيسبوكية لافتة، أهمها اكتشاف مواهب مميزة في الكتابة الساخرة، ربما كان الألم العظيم دائماً محرضاً لأدب عظيم أو لنقل إرهاصات أدب عظيم، إذ لا نعدُّ كل ما ينشر في الفيسبوك أدباً.
ستفرز هذه الأزمة الوطنية ـ إضافة إلى المتغيرات العميقة على المستوى السياسي والاجتماعي ـ أسماء لامعة في مجال الكتابة الساخرة، وهي أصعب أنواع الكتابة.
           

(كان في بناية براس حارتنا،
حدا شافها شي؟)
تكتب ميساء الشام في إشارة ساخرة وجارحة إلى عمليات قصف المدن والقرى السورية.
                     *         *           *
عبود سعيد، أهم رجل في الفيسبوك على الإطلاق، كما يصف نفسه مراراً، لا بد أن نعود إليه دائماً، هو مزيج مدهش من السخرية والشاعرية والمرارة والغضب، يكتب وصاياه الفيسبوكية العشر:
ـ يلزمك ذئب حراسة من أجل اللصوص الذين يسرقون أصدقاءك.
ـ اضرب الكُتاب والشعراء و القراء بالمطرقة على رؤوسهم.
ـ لا تضع لايك لامرأة تُعجبك.
ـ لا تصرخ أولاً / دعها هي تصرخ قبلك.
ـ لاتبكِ على حائط أحد.
ـ لا تكتب ما يخطر ببالك.
ـ لا تشحذ لايكا ولا تتوسل
ـ اسرق من كل صديق كلمة أو حرفاً أو شَعرة / بعد سنين سيكون لديك
كتاباً أو مؤلفاً أو شعراً مستعاراً
ـ بلِّغْ عن إساءة / على الشخص الذي تعجبكَ كتاباته.
ـ قل لهم أنا أعرف الطريق / دعهم يتبعونك / خذهم إلى النهر.
                                  *         *           *
نضال خليل، الصحفي وفنان الكاريكاتير، يكتب عن (ازدواجية المعايير) لدى الحكومة:
ماداموا عم يجكوا عن استجابة الدولة لنداءات المواطنين بكل شي..طيب ماتستجيب الحكومة كمان لنداءات هالمواطنين المعتَّرين بتأمين الغاز والمازوت والكهرباء وضبط الأسعار بالمعية.
                             *         *           *
من كتابات الكاتب المصري الراحل جلال عامر على الصفحة الخاصة به:
أصبحت مهمة المواطن صعبة، فعليه أن يحافظ على حياته من البلطجية، وأن يحافظ على عقله من السياسيين.

                               *         *           *
سلامة كيلة، الكاتب والمناضل الماركسي الذي اعتقل وأبعد عن سورية؟! رغم وضوح موقفه المؤيد للحراك الشعبي السلمي ومعارضته للتدخل الخارجي ولعسكرة الثورة،  يكتب عن الأهداف الحقيقية للدعم السعودي القطري للثورة السورية:
السياسة السعودية تجاه الثورات العربية قامت على أساس الخوف الشديد من أن تصل إليها، فالوضع السعودي مُهيأ جدًا، لذلك تعمل السعودية على إفشال هذه الثورات، وتعمل في سورية، كما يبدو، على تحويل الصراع من صراع شعبي إلى عمل مسلح ذي طابع طائفي، ولهذا تحاول أن تلعب اليوم دور الداعم لهذه الجماعات الأصولية الموجودة في سورية، وهذا خطر يجب أن يلقى الضوء عليه وأن يُكشف.
                                  *         *           *
واحة شعر
نستطيع أن نطلق تسمية شاعر المكان بامتياز على الشاعر كمال سحيم، إذ تحضر في قصائده التي ينثرها على حائطه مدن حملها معه أنى توجه، ومنها دمشق، الشاعر كمال سحيم من الشعراء الذين يمتازون بحساسيتهم العالية للمفردة الشعرية، نقرأ له:
ما سرُّكِ يا دمشق..
كُلّما حاولتُ كتمان عشقي..
تفضحني أنفاسي..
فأسري وراءَ نبضِكِ مشبعاً بالكبرياء..
*         *           *
كلّ شيءٍ يسيل..
النجومُ..
القمرُ..
الليلُ..
والكلماتُ التي تمسكُها أردان الحروف
*         *           *
في الغياب..
لا أرى وجهاً للصباح..
كذلكَ هي اللحظاتُ المسافرة..
كُلّما حاولتْ أن ترانا..
تعاجلُها عقاربُ الوقتِ بالرحيل..
*         *           *
لدمشقَ أسماءٌ كثيرة..
فحاولوا أن تكتبوا دالَ الدلالِ..
ميمَ المحالِ..
سينَ السماءِ..
قافَ القدر..
لدمشقَ ما فاقَ البصر..
*      *      *
 إن لم ترَ..

فعليكَ أن ترمي عيونَكَ بالسؤال..
وعليكَ أن تبني جداركَ في الجدار..
وعليكَ أن تنثر نجومَكَ في مداك..
فإذا فطنتَ لوجهِها..
وعرفتَ ما معنى رؤاك..
اجمع يقاياكَ معي..
إنّي أردتُكَ أن ترى مالا يُرى..

العدد 1102 - 03/4/2024