سوبر ماركت عالمي
ذهب أحد المحللين السياسيين العرب إلى بلاد (قلق البال) فرأى فيها العجب العجاب، وبينما كان يتجول في شوارعها الفخمة رأى (لافتة) كتب عليها (سوبر ماركت السياسة العالمية)، فشعر بالنشوة والسرور، وقال في سره: لعلّي أجد ضالتي فيه! فدخل ليشتري ما لذ وطاب له من التحليلات والأخبار السياسية لكي لا يتهم بالجهل أمام رؤساء تحرير الصحف والقائمين على إعداد نشرات الأخبار وتقديم البرامج السياسية، ولكي يكون على علم ودراية بالمتغيرات التي حدثت والتي ستحدث في العالم العربي والغربي على حد سواء، لعله يلفت انتباه المسؤولين إليه، ويحظى باهتمام بعض رؤساء الدول الذين تتفق وجهات نظره مع وجهات نظرهم، فيدعمونه مادياً ومعنوياً، فيصير هو وأفراد عائلته كما يقول المثل الشعبي (فوق الريح)!
ما وجده في السوبر ماركت أذهله وأفقده صوابه.
ففي جناح المؤامرات وجد أن 80% من المعروضات مخصصة من أجل الدول العربية… فهذه مؤامرة للإطاحة برغيف الخبز والببسي كولا ورئيس الدولة على حد سواء. وأخرى لإقالة رئيس مجلس الوزراء من منصبه لأنه لم يتمكن من قمع المظاهرات التي خرجت تطالب بوضع حد للكلاب الضالة التي تخرج في الليل وتقوم بنشر الخوف والرعب في نفوس المواطنين. وثالثة لتخريب البنى التحتية والفوقية في الدولة وسحب البساط من تحت أقدام الذين يمشون فوق الأرض مرحاً. ورابعة لدفع جحافل جيوش حلف الناتو الجرارة للقيام بهجوم مباغت على المواطنين الآمنين بذريعة القضاء على الإرهاب. وخامسة لكشف الاختلاسات التي يقوم بها أصحاب الشأن وأرباب النفوذ لإرضاء زوجاتهم اللواتي اعتدن على الترف والبذخ والرفاهية. وسادسة مخصصة للفضائح الجنسية.. فهناك أشرطة فيديو تظهر المسؤولين والجنرالات وقادة الجيوش بأوضاع أخلاقية مزرية يندى لها الجبين. وسابعة للقضاء على المتطرفين من الأحزاب والميليشيات كافة، دون الأخذ بالحسبان ما سيجره هذا الفعل من كوارث وويلات على المواطنين، وثامنة.. وتاسعة.. وعاشرة.. إلخ.
وما لفت نظره ودعاه إلى الدهشة والاستغراب هو (الثمن) الذي يدفع لشراء هذه المؤامرات، فمنها ما ثمنه الجغرافيا.. ومنها ما ثمنه النفط والمواد الخام.. ومنها ما ثمنه التبعية.. ومنها ما ثمنه حق تقرير المصير… إلخ.
وفي جناح المفاوضات حدث ولا حرج، فقد كانت البضاعة مكدسة، فهناك مفاوضات من أجل رسم الحدود بين الدول، وأخرى من أجل صادرات البترول ومشتقاته، وثالثة تتعلق باستيراد البضائع والمواد الغذائية وتصديرها، ورابعة حول الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وخامسة تتعلق بشراء الأسلحة الحربية الأوتوماتيكية الحديثة، وسادسة تتعلق بالتعاون بين الدول من أجل غزو الفضاء، وسابعة للقضاء على الفقر والجوع في الدول التي تعاني شعوبها ظلم الحاكم وجوره وبطشه هو وحاشيته، وثامنة.. وتاسعة.. وعاشرة.. إلخ. أما في جناح الاغتيالات فقد كانت التدابير الأمنية الوقائية عالية المستوى ولا يسمح لأي شخص كان بدخوله، فألقى نظرة سريعة عليه، وخرج مسرعاً لا يلوي على شيء، بعد أن أقسم أن يترك (السياسة) وشأنها.