إلى يوسف الفيصل قائد حزبنا الشيوعي في كفاحه الطويل لولا عجزي لزرت قبرك.. والحبيب يُزار

قذى بعينكِ أم بالعينِ عُوّارُ

أم ذرّفْت إذ خلَتْ من أهلِها الدارُ

وإن »يوسفاً« لتأتمّ الهداةُ بهِ

كأنَّهُ علمٌ في رأسِهِ نارُ

مات يوسف الصديق.. واأسفاه.. مرة وهو ينقض على قصر عابدين، فتنتصر به ثورة الضباط الأحرار.. ثم يُغيّب، لا ندري كيف، كأنما ابتلعه تنين الزعيم، ولا ندري كيف أيضاً.. فبلاد العرب أوطاني، لا تبوح بأسرارها إلا بعد أن تبلى العظام وهي رميم.

مات يوسف الفيصل بعد كفاح طويل، لا مع المرض، بل مع الذين ينقضّون مثل نسور الجبال، على ديدان الأدغال وأفاعيها، نصرة للمستضعفين في الأرض الذين »سنجعلهم الوارثين«، لأنهم الأئمة ولأنهم آمنوا بيقين »العروة الوثقى«. »أما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض«، صدق الله العظيم.

قلت عن يوسف الفيصل في مقالة طويلة، الذي أعرفه، فابتسم عندما رآني وقال: »أنت لا تنسى فاصلة«!فأجبت ضاحكاً وأنا أشد به إلى صدري: بل أنسى الكثير، إلا أن الأيام التي أعطتنا السبق في علم الفراسة جعلتنا في الأندلس نهتم بالفاصلة، لأنها الجسر الذي انتقلت عليه حضارة الشرق إلى الغرب.

كثيراً ما اجتمعنا في بيتي المعلق على حافة جبل، واستمعت إلى أبي خلدون يتكلم، وفي كلامه كان متأنياً، يحرك شفتيه فنفهم ما يقول.. وسواء بدأ من الخاتمة كان يأخذ بنا إلى البداية في تسلسل منطقي عذب، فإذا قال أحدنا »أنا أرى في هذه المسألة أو تلك غير ما ترى«، أجاب بتواضع جمّ »هذا من حقك«.

ثلاثة في هذه الدنيا أثاروا إعجابي: »الكبير والفريد في جاذبيته، والنادر في خطابيته، الرفيق خالد بكداش، ويوسف الفيصل في عرضه للأمور بتسلسل وعذوبة، وأبو بكر الرازي في كشفه عن تعاقب اللذة والألم. ولست في وارد تعداد الآخرين. إلا أن أبا عثمان الجاحظ يذكر في الطليعة، لأنه لا يؤمن إلا بعد التجربة، ولو كلّفَتْهُ هذه التجربة عناء ووقتاً لا مثيل لهما.

اعذرني يا أبا خلدون، فأنا مكسور الساقين مُقعد، لم أزر قبرك، مع أن»الحبيب يُزار« قيلة جرير في رفيقة حياته. واعذرني لأن الأيام باعدت بيننا، مع يقيني أن الرب الذي أعطانا إياك قد أخذك خلسة منا.

صرتُ يا صديقي ضعيف البصر، وأنا في الشيخوخة، لذلك ولأسباب أخرى تتعلق بالحرية، لا أكتب، وتكثر الأخطاء في كتاباتي، فماذا أفعل وأنا واقف يومياً على ضفة نهر الموت، وشراع الموتى أخذَهم إلى الراحة الأبدية وأبقاني، نكاية تقول للعذاب الأبدي!

يا يوسف! يامن تحدثتُ طويلاً عن كفاءتك القيادية، نمْ في الثرى، كحبة القمح التي لا تموت، فإن هي ماتت أعطت ثمراً كثيراً.

يا رفيق دربي الطويل في الكفاح لأجل العدالة الاجتماعية، اسمح لي ختاماً أن أقول:

يا دارجاً في الخلودِ ضميرُهُ

صلَّتْ عليكَ الرفقةُ الأبرارُ

العدد 1102 - 03/4/2024