اليونان… من عقدة «غورديوس» إلى عقد الترويكا!

في الميثولوجيا اليونانية أنّ الفلاح الفقير(غورديوس) أصبح ملكاً على مدينة (فريجيا) القديمة بفضل العقدة التي ربط فيها عربته إلى عنق الثور الذي يجرّها على نحو لايبرز فيه أيّ طرف للحبل، فلم يستطع أحدٌ في المملكة حلّ العقدة، إلى أن عرّج الإسكندر الأكبر في طريقه إلى احتلال آسيا سنة 333 قبل الميلاد وحلّ عقدة (غورديوس) بضربة قوية من سيفه!

فهل تقدر الحكومة اليونانية، عبر ماراتون المفاوضات مع وفد الترويكا الأوربية (صندوق النقد والمصرف المركزي الأوربي والاتحاد الأوربي) على حلّ عقدة  الدين اليوناني وإنقاذ البلاد بالتالي من أسوأ كارثة مالية واقتصادية تمرّ بها؟ بالنسبة إلى وزير المالية اليوناني (يانيس ستورناراس) لن يستغرق الأمر سوى أيام قليلة جداً حتى تنتهي حكومة بلاده ووفد الترويكا من خطة تخفيضات تقشفية بعدّة مليارات من اليورو. وسوف تلتزم أثينا بتفعيلها من أجل تلبية شروط دائنيها الدوليين.. وفي ردّه على أسئلة الصحفين قال الوزير اليوناني: ( إنّ هوّة الخلافات بيننا وبينهم قد تقلّصت، فيما تبقّى هناك تدابير تتراوح قيمتها بين مليارين ومليارين ونصف مليار يورو لم تحُلّ بعد..).

الأرجح، والحال كذلك، أنّ الحكومة اليونانية لن تجد نفسها محرجة كثيراً خلال الأيام القليلة القادمة المتبقية حتى يصدر تقرير خبراء وفد الترويكا عن مدى تقدّم برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي في اليونان (ما يُعدّ أمراً أساسياً لحصول اليونان على دفعة جديدة من حزمة القروض الدولية بقيمة 5ر31 مليار يورو)، تجاه مطالب الدائنين المتضمنة:  مدّ فترات العمل وخفض المعاشات ورواتب القطاع العام بصورة أكبر، ورفع سن التقاعد بواقع عامين ليصل إلى 67 عاماً، وإلغاء القواعد التي تنصّ على العمل لمدة ثماني ساعات، وزيادة أسبوع العمل إلى ستة أيام. لكنها ستظلّ محرجة في مواجهة السخط الشعبي اليوناني ضدّ إجراءات التقشف التي تزيد الفقراء فقراً.. وإن كانت الأعذار عند يانيس ستورناراس ورفاقه في الحكومة اليمينية الحالية جاهزة دائماً، من مثل القول: (لا بدّ من بقاء البلاد داخل منطقة اليورو، حتى يمكن لها التغلّب على أزمتها الاقتصادية. وإنّ عدم مبالاة البعض بما يمكن أن يحدث من تأثير وتعميق للأزمة الاقتصادية في حالة خروج اليونان من المنطقة يمثل عدم مسؤولية وطنية سياسية تجاه الدولة، ولابدّ  من استعادة مصداقية البلاد لدى شركائها الأوربيين).

لكن، وفي المقلب الآخر، دعا  الاتحاد العام لنقابات العمال في اليونان (وهو يضمّ أكبر الاتحادات في الحكومة والقطاع الخاص) إلى إضراب عام يوم الأربعاء 26 أيلول احتجاجاً على حزمة إجراءات التقشف الجديدة التي تسعى الحكومة لمقايضتها بطلبات الدائنين الدوليين. وقال في بيان له:نحن نرفض تدخل الحكومة لوضع حد أدنى للأجور والرواتب في القطاع الخاص ومعاشات المتقاعدين، وإلغاء التفاوض الجماعي الحر بشأن عقود العمل، إلى جانب توجيهات الدائنين بزيادة سن التقاعد.. وسيكون هذا الإضراب المقرر استمراره 24 ساعة هو الأول من نوعه ضد الحكومة الائتلافية (بقيادة حزب الديمقراطية الجديدة المحافظ) التي انتخبت في حزيران الماضي، و تحاول إقرار إجراءات تقشفية بقيمة 5,11 مليار يورو، ما يعادل 8,14 مليار دولار.

أمّا الحقيقة التي يجري البحث عنها للخروج من الأزمة التي تُعانيها اليونان ومنطقة اليورو عموماً، وسط هذا الضباب الكثيف من العُقد والألغاز، فتكمن في خيار صعب، لأنه يجمع ما بين التقشف المُستطاع شعبياً من جهة، وتعزيز النمو الداخلي من جهة ثانية، وذلكم هو حدّ السيف القادر على قطع عقدة (غورديوس)!

العدد 1102 - 03/4/2024