المفكر التنويري.. عبد الرحمن الكواكبي… إضاءات في أفكاره
الحديث عن المفكر التنويري الكبير عبد الرحمن الكواكبي يعني الحديث عن عَلَمٍ نهضوي حمل تميُّزه، واستثنائيته في البحث، والتحليل، والتعليل، والإرجاع الاجتماعي والنفسي، والتربوي. وكتابه (طبائع الاستبداد) عمل فكري وتنويري كبير، ومرجع في فضح الاستبداد ووصف أشكاله وأنواعه، يقول: (الاستبداد لغةً هو غرور المرء برأيه، والأنفة من قبول النصيحة، أو الاستقلال في الرأي، وفي الحقوق المشتركة تحمل هذه المعاني الدعوة إلى التواضع بدل الغرور، وإلى قبول النصيحة، وهي المشاورة، وقبول الرأي الآخر، وعدم الاستقلال في الرأي فيما يخص الحقوق المشتركة، أي ما يخص مصلحة الجماعة وشؤون الناس، فهذه قضايا تحتاج إلى التشاور، والتداول في الرأي.
في الولادة والنشأة يقول حفيده الدكتور عبد الرحمن الكواكبي، وهو اقتصادي ووزير سابق: إن ولادة جده (عبد الرحمن بن أحمد الكواكبي) هي في 23 شوال 1271 هجري في حلب، وهذا يعادل الثامن من تموز 1855م، وإن أبوه هو: أحمد بهاء الدين الكواكبي ابن إبراهيم الصفوي، وهي أسرة عربية في الأصل.
أتقن الكواكبي اللغة العربية بفروعها، كذلك التركية، والفارسية وعلوم الطبيعة، والرياضيات، على يد مختصين، ونال إجازة التدريس في المدرسة الكواكبية التابعة لأسرته، وهو في العشرين من عمره، كما عمل في الصحافة محرراً في جريدة (الفرات) الرسمية بالعربية والتركية. كذلك أصدر جريدته الخاصة (الشهباء)، وقد صدر منها ستة عشر عدداً، ثم صدر أمر بإيقافها. وبعدها أصدر صحيفة (اعتدال)، لكنها أغلقت أيضاً في 15 أيار 1900. تعرض الكواكبي للاعتقال، والسجن، والمحاكمة أكثر من مرة، هاجر إلى مصر طلباً للحرية لكن السلطات العثمانية لاحقته ودست له السم في فنجان قهوة، فتوفي في 18 حزيران ،1902 ودفن في القاهرة.
بعض أفكار الكواكبي:
في التربية: خصص للتربية فصلاً كاملاً في كتابه (طبائع الاستبداد)، فهي بالنسبة إليه أساس الحياة. والتنشئة لديه عمادها: الدين، والخلق القويم، والثقافة، والعلم.
وفي رسائله لابنه (أسعد) الذي كان يدرس الطب في الأستدانة يوصيه بالانكباب على الدراسة، وفي نظام القراءة كان يوجهه بتحضير الدروس سلفاً قبل الحصص الدرسية، كي يسهل عليه فهمها، ويكون في صورتها. كما أوصاه بإتقان الجراحة، وطب العيون، وإتقان اللغة الفرنسية والإنكليزية، فالفرد هو الأساس، وهو طالب العلم، والمعلمون هم الوسيلة، وأن الأساس هو الجد والعمل.
في نظرته إلى المرأة رأى الكواكبي أن جهل المجتمعات سببه الأساسي جهل المرأة، لأن المرأة الجاهلة لا يمكن أن تبني مجتمعاً متعلماً. لذلك دعا إلى تعليم المرأة، وأن تشارك الرجل في العمل، ولكن ضمن ظروف المرأة. وعن العلاقة الزوجية أكد أنها يجب أن تكون علاقة تفاهم، والحياة الأسرية السليمة تعطي أطفالاً جيدين. في إشارته إلى الأخلاق التربوية رأى أن ذلك مرتبط بالتعليم والتعليم الديني الصحيح للنصوص.
تحدث الكواكبي عن مسألة العدالة، والاستغلال. العدالة في توزيع الأعمال والعائدات، وضرورة إيجاد عمل لكل شخص. فالعدالة في نظره هي في توزيع العائدات، وتوزيع الأعمال. كما دعا إلى المساواة في الحقوق، والواجبات، والجميع سواء أمام القضاء. كما دعا إلى حرية التدين، والتفكير، والاجتهاد انطلاقاً من مقولة (لا إكراه في الدين). حيث يسود التسامح، ويزول التعصب. ورأى أن الشورى الدستورية بديل من الاستبداد السياسي (وأمرهم شورى بينهم) سورة الشورى ،36 (وشاروهم في الأمر) آل عمران /159.
يقوال الكواكبي: تمحَّصَ عندي أن أصل الداء هو الاستبداد السياسي، ودواؤه هو دفعه بالشورى الدستورية، وأن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، واجب على كل مسلم.
ميَّز الكواكبي بين: (الإسلام والإسلامية)، لأنه لاحظ فرقاً كبيراً بين الإسلام، وبين ما هو سائد وقائم في المجتمع، فالإسلام يدعو لإعمال العقل، ويدعو إلى العلم، وإلى التفكير، والتحرر من التبعية، والتقليد. أما الإسلامية فهي في رأيه المنهج المشتق عن الإسلام بما في ذلك حق الاجتهاد. (الإسلامية في اصطلاح الكواكبي هي الأنظمة السياسية، والإدارية، والاقتصادية، والاجتماعية الملائمة لكليات الدين الإسلامي وقواعده الأساسية).
في مسألة الحرية
كلمة حرية زمن الحكم العثماني كانت تعني حالة ضد العبودية، استلهم الكواكبي الفكرين العربي الإسلامي، والأوربي، في موضوع الحرية، كما عارض السلطة السياسية والفكرية، والاقتصادية، ممثلة بالاستبداد، والاستعمار. عبر عن حرية الفن والخطابة، والمطبوعات بمقولة (حق القول) والتعبير لكل إنسان. عدد الكواكبي فروع الحرية رابطاً بينها، وبين العدالة والأمن، فالحرية القومية هي الاستقلال الوطني، والحرية السياسية هي محاسبة الحكام، وذلك حين يشارك الشعب في امتلاك القوة السياسية.
ربط الكواكبي بين الحرية الشخصية، والحريات الأخرى، الحرية كل متكامل فلا حرية للفرد إلا بحرية بلاده، لذلك طالب الكواكبي بالحريات الفكرية والاجتماعية، والسياسية.
دعا الكواكبي للعدالة والمساواة، والعدالة من الشورى، كما دعا إلى الديمقراطية، كان منفتحاً ومتحرراً. كان رجل مواقف، وسابقاً في عصره، ومستنيراً كبيراً.