البطاقة العائلية… ومعضلة استحقاقات المرأة

مرّة تلو الأخرى… وعاماً بعد عام… وأزمة إثر أزمات عديدة ومتنوّعة تعيشها البلاد في ظل ما يجري، وما أدى إلى فلتان حقيقي للأسواق من فقدان أو احتكار العديد من الاحتياجات الأساسية والملحّة للمواطنين، وفي أفضل الأحوال ندرتها، بحيث لا يمتلكها إلاّ ذو جاه أو مال، تأتي الحلول المصيرية التي يظنّ المواطن معها أنه سيكون بغنىً عن البحث وذلّ السؤال، أو جشع الطامعين والناهبين من تجار اتخذوا من هذه الظروف مطيّة لتكديس الأموال والأرباح الفاحشة.
وفي محاولة لإنقاذ المواطنين من براثن تجّار الأزمات، وأيضاً من أجل حصول الجميع على حقهم من احتياجاتهم الأساسية، ارتأت الحكومة أن يكون توزيع هذه السلع والمواد على البطاقة العائلية، كمادة الغاز في الفترة الماضية، وأتبعتها اليوم بموافقتها على منح كل أسرة كمية معيّنة من المازوت شهرياً على البطاقة العائلية ذاتها.
وهنا لا يسعنا إلاّ أن نقف مطوّلاً أمام تلك الحلول، التي لا تطول جميع الأُسر في المجتمع، بحكم وجود نساء مطلّقات غالبيتهن ممن يحتفظن بحضانة الأبناء، وأخريات عازبات لا يملكن هذه البطاقة في حال وفاة الأبوين بحكم أنها تعود لدوائر الأحوال المدنية في مثل تلك الحالات، وكذلك الأُسر التي يكون فيها لدى الزوج أكثر من زوجة على بطاقة عائلية واحدة.
ومنذ أن اتبعت الحكومة سياسة تحرير الأسعار، لاسيما للمشتقات النفطية، ونحن ندخل كل عام متاهة الحصول على مادة المازوت تحديداً بالسعر المدعوم، ففي السنة الأولى كانت عبر توزيع قسائم المازوت، وفي السنة التي تلتها عبر توزيع مبلغ عشرة آلاف ليرة لكل أسرة ، وفي الحالتين كان يتم في البداية تجاهل تلك الشرائح المذكورة أعلاه إلى أن تعلو الأصوات المحرومة حقوقها، فيتم تدارك الوضع بطريقة تجعل من تلك الشرائح متسولين لدى الحكومة التي يُفترض بها أن تُنصف جميع مواطنيها في احتياجاتهم الأساسية، رغم تنوع واختلاف ظروفهم الاجتماعية وفق ما نص عليه الدستور من مساواة جميع المواطنين في الحقوق والواجبات.
أما في هذا العام، فقد زاد في الطنبور نغماً مادة الغاز المنزلي، وقد صار الحصول على أسطوانة منه بالسعر النظامي حلماً بعيد المنال، رغم اللجوء إلى البطاقة العائلية التي فرضتها الحكومة، وذلك دون مراعاة ظروف الشرائح والأفراد الذين لا يملكون هذه البطاقة، وكأنه لا يكفيهم ما ينالونه كل يوم من أزمات متعددة على مدار الساعة، إضافة إلى الارتفاع الفاحش لأسعار جميع مستلزمات الحياة التي دخلت سوق البورصة، بحيث لم تعد تثبت على سعرها يومين متتاليين على أقل تقدير(كل هذا في ظل وجود الزوجين معاً يتعاونان على القيام بأعباء الأسرة)، فكيف الحال بوجود مُعيل وحيد للأسرة، أو غياب الأب في حال الطلاق وتحمّل المرأة منفردة أعباءها، بعد أن تخلى الزوج عن مسؤولياته تجاه أبنائه مادياً ومعنوياً بلا حسيب ولا رقيب، لأن القوانين تحميه ولا تفرض عليه نفقة إلاّ بمقدار ما يسمح به وضعه المادي، (وهنا يتم التلاعب) فلا تأخذ المرأة من نفقة أولادها إلاّ ما يجود به الزوج من فتات لا يكفي سد رمق الأبناء في أفضل الحالات. وتأتي الحكومة اليوم، وفي هذه الظروف المريرة فتُضيف إليها أعباءً جديدة لا يمكنها تحمّلها بحكم أنها لا تملك بطاقة عائلية، ولا تحمل صفة خاصة بها، حتى ولو كان الأولاد معها، وإنما هي الآن مُلحقة بصحيفة والدها بعد أن كانت ملحقة بصحيفة الزوج.
لماذا لا تعدّ المرأة، ولاسيما الحاضنة لأبنائها خاصةً، وباقي الشرائح المذكورة أعلاه عامةً، أُسراً متكاملة لها حقوق على المجتمع والحكومة كما عليها واجبات..؟ أين مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة الذي نصّ عليه الدستور..؟ أم أن هؤلاء النسوة محكوم عليهنّ البقاء في تلك الأمور خارج إطار المواطنة، كما حكم عليهنَّ المجتمع بخروجهن من مظلة الحماية الاجتماعية بعد استقلالهنّ عن الرجل..؟ ألم تتضافر جهود الحكومة مع جهود المجتمع الذكوري في الحكم على أولئك النسوة وأطفالهن برميهنّ خارج إطار الإنسانية..؟ وهل هناك أفظع من تمييز فاضح كهذا باعتبار خروج الزوج من حياة الأسرة انتقاصاً من صفتها الرسمية والاجتماعية..؟
لقد طالبنا ونطالب دائماً بالاعتراف باستقلالية المرأة السورية في مجمل الأمور، لاسيما تلك التي تتعلق بالأحوال المدنية والشخصية، كمنحها بطاقة عائلية أو صحيفة مدنية خاصة بها في حال وفاة الأبوين، أو عدم الزواج، أو الترمّل والطلاق، وإبعادها عن قيود التبعية المطلقة للعائلة أو الزوج (متوفى أو مطلق). غير أننا انطلاقاً من كل ما سبق، نجد أن التعامل الحكومي في كل ما يتعلق بهموم وقضايا المرأة بعيداً كل البعد عند الممارسة الحقيقية لكل ما تنادي به من تمكين المرأة وتعزيز دورها ومكانتها في المجتمع، خصوصاً في الأمور المعيشية الملحّة كاستحقاق الدعم، وكأن هذه المرأة بكل حالاتها (أرملة، مطلّقة…إلخ) لا يكفيها ما تلاقيه من مكابدة ومشقة في ظل واقع وقيم اجتماعية قاسية لا ترحم أنوثتها وأمومتها، لتأتي الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة فتعرقل وتؤرّق مسيرتها في الحياة.
نأمل، بل ونطالب الحكومة، بإيجاد بدائل عادلة لشرائح المجتمع كافة، وخاصة المرأة بمختلف حالاتها الاجتماعية، من أجل الوصول إلى استحقاقات عادلة بعيدة عن التمييز.
 

العدد 1104 - 24/4/2024