تجار الأزمات

حدث من نوع مختلف في تجارة الأزمات والحروب، وللتجارة برغيف المواطن، ربما كان ذلك اغتناماً للظروف الطارئة بالبعد عن ثقافة القيمة الأخلاقية، إذ أصبح تجار الأزمات يفرضون على المحتاجين طرق فسادهم المنظم، ليكونوا سنداً لتجار الحروب العالمية والأدوات الرخيصة في عالم الظلم والفساد.

بدأ الأمر بتحقيق رغبة السفر إلى خارج البلاد لكسب العيش وتحقيق الحياة الرغيدة بعد أن أصبحت البلاد في ظروف اقتصادية صعبة، مع قلة فرص العمل. وصرح أصحاب العلاقة (ب، س، ج) وغيرهم الكثير، وكان الزميل الإعلامي أكرم الغطريف قد رصد ملفات وبيانات عن هؤلاء، وذكر لجريدة (النور) تلك المعلومات بالقول:

بعد أن ضاقت أمور الحياة والحاجة الماسة لتأمين حياة كريمة، أصبح الشباب خاصة ومن يستطيع العمل يطرقون كل الأبواب، ولم يكن أمام الكثير منهم إلا السفر إلى خارج القطر، كما اعتاد أهالي هذه المحافظة منذ أكثر من قرن من الزمن. لكن القدر وسخريته أوقع عدداً كبيراً من هؤلاء في شراك تجار الحروب والأزمات والمتاجرين بالبشر قبل الحجر. فقد رسموا خططهم بحكمة واستغلوا حاجة الناس إلى السفر، فما كان منهم إلا أن أوقعوا بشراكهم كل صاحب حاجة، وأعلن هؤلاء التجار عن استطاعتهم تأمين سمات دخول نظامية وقانونية لكل من يريد السفر إلى ليبيا مقابل مبلغ مالي تجاوز ال60 ألف ليرة سورية، وتأمين وصولهم إلى الحدود الليبية بشكل قانوني وعن طريق البر بوساطة بولمانات مخصصة لذلك. لكن الأمر الذي لم يحسب أصحاب الحاجة عقباه وجهلهم بقانونية هذه السمات أو عدم قانونيتها هو وقوعهم في الشرك أثناء تسليم هؤلاء التجار ضحاياهم لعصابة تقطن على الحدود المصرية الليبية يسمون أنفسهم (أولاد علي). تقوم هذه العصابة باستلام المسافرين من سورية إلى ليبيا وتدخلهم عبر الحدود إلى ليبيا. على أن هذه الجماعة هي التي تؤمن على حياة المسافرين خلال هذه الفترة، وتقوم هذه العصابة بتزوير سمات الدخول.. وبعد 500 كم تُوقف البولمانات من قبل حاجز غير معروف، ويُحتجز الركاب ويُرحّلون، ثم تسليمهم إلى السلطات المصرية، ويتعرضون للضغط النفسي والجسدي وسوء التغذية والمكان. حتى يرضخوا ويوافقوا على التعامل مع قناة (الجزيرة)، ليظهروا على شاشات التلفزة على أنهم معارضون للنظام في سورية، ويتحولون إلى لاجئين سوريين تحت رحمة المجلس الانتقالي الليبي.

وعندما علمت السفارة السورية في مصر بقصتهم عملت على إعادتهم إلى سورية، بعد أن قامت السلطات المصرية بإتلاف جوازات سفرهم، وقدموا إلى سورية بأوراق منحتهم إياها القنصلية السورية في القاهرة. وعند وصولهم إلى الوطن شرحوا للجهات الأمنية ما حصل معهم ودلوا على الفاعل. لكن للأسف حتى تاريخه لم يُتخذ أي إجراء قانوني بحق هؤلاء التجار، وما زالت رحلاتهم مستمرة بالبولمانات نفسها، وبواسطة التجار أنفسهم. وما زال هؤلاء التجار طليقين يعبثون ويستغلون أبناء جلدتهم، وأسماؤهم موجودة لدينا ولدى الجهات المختصة. لكننا سنعرّفهم بالأحرف فقط، ريثما توضع النقاط على الحروف والمباشرة بمحاكمتهم، حينذاك تفتح الوثائق الدامغة ويقف هؤلاء التجار أمام ضحاياهم وأمام الحكم العادل.

والجدير بالذكر أن أسماء أصحاب البولمانات هم (ح.م.ك) صاحب البولمان الذي يحمل اللوحة رقم ،864225 إصدار مديرية نقل السويداء، و(ف.ر) صاحب البولمان الذي يحمل اللوحة رقم ،864214 إصدار مديرية نقل السويداء، ولدينا وثائق مخطوطة بيد ضحايا هؤلاء التجار. ولن نعلن أسماءهم إلا في المكان والزمان المناسبين للحفاظ على حياتهم، إذ إن هذه الخلاصة مأخودة من تلك الوثائق التي صرح بها أولئك الضحايا وهم كثر. انتهى قول الزميل الصحفي (الغطريف).

أخيراً إذا كان الإصلاح يأخذ طريقه باتجاه تنقية أفراد المجتمع من براثن الفساد، فلابد للحكومة الرشيدة التي وعدت بالإصلاح والقضاء على الفساد أن تحاكم أولئك الفاسدين وتجار الدم، وتتخذ الإجراءات اللازمة بحقهم وتعيد الحق لأصحابه، وتؤمن فرص عمل لهم على مبدأ تكافؤ الفرص، لا بالواسطات والمحسوبيات التي ضاق مجتمعنا بها ذرعاً، ونحن نترك هذا التحقيق بين يدي الجهات المعنية وبذمة الحكومة الجديدة، علّ صوتنا يلقى السمع وهو شهيد… في زمن ضجيج الأسلحة والمدافع والعصابات المسلحة والإرهاب الخارجي، بعد أن فقدت جامعتنا العربية صوابها، وبات الغرب مرهوناً بالصهيونية وما تمليه عليه من أعمال وأفعال بأموال خليجية مستعربة، ويجني على شبابنا المحتاج للعمل والعيش الكريم والأمان والاستقرار بوطنه الأم سورية.

العدد 1104 - 24/4/2024