مجالس الأعمال نسخة جديدة لجوائز الترضية

مجالس الأعمال نسخة جديدة لجوائز الترضيةلم تقيّم تجربة السنوات السابقة من عمل مجالس الأعمال المشتركة، ماذا حققت؟ وماذا أنجزت؟ وأين أخفقت؟ بهدف وضع تصور واضح لدور هذه المجالس في الحياة الاقتصادية القادمة، والمهام التي ستكلف بها. إذ خرجت هذه المجالس، من عباءة غرف التجارة، وحاولت في فترة سابقة أن تأخذ دور هذه الغرف، وتمارس صلاحياتها، والضغط عليها بشكل أو بآخر، ودفعها لمزيد من الانزواء، والتحييد عن القضايا الاقتصادية والتجارية التي تدخل في صلب مهام  أي الغرف   وحاولت  المجالس حمل راية العمل التجاري على عاتقها، رغم أنها ولدت قيصرياً، وبإرادة حكومية ضيقة، كانت ترغب في خلق كيانات جديدة للعمل الاقتصادي، مغايرة لما هو قائم، وتختلف عنه، وأن تؤدي دوراً جديداً قادراً على رسم ملامح التعاون الاقتصادي مع البلدان الأخرى، لتسهيل انسياب السلع بالاتجاهين، وصولاً إلى بناء شراكات اقتصادية حقيقية.

أكثر من 70 مجلس أعمال شكلتها حكومة محمد ناجي عطري، ومنحتها مشروعية العمل، وأعطتها صلاحيات كثيرة، لكن هذه المجالس كانت أقرب إلى جوائز الترضية، والأوسمة الفخرية، والشهادات التي توزع بالمجان. فحظيت الأسماء المقربة من النائب الاقتصادي يومذاك، بشرف ترؤس هذه المجالس من الجانب السوري، وفتح باب الانتساب إليها، مقابل شروط معينة، وتسديد رسوم الانتساب. واقع حال تلك المجالس لم يك يخلو من بعض الجدية في العمل، إلا أن السمة الغالبة على معظم المجالس المُشكلة كانت عدم الفعالية، ودورانها في فلك أضواء التأسيس، دون أن تكون قادرة على دفع العمل التجاري بين سورية وتلك البلدان خطوة واحدة للأمام، أو السعي جدياً لخلق فضاءات جديدة، ممكنة.

يحتاج العمل الاقتصادي والتجاري، إلى أفكار خلاقة ومبدعة، وتأسيس كيانات جديدة، تحل مكان الكيانات القديمة المهترئة، وغير القادرة على التجدد، ونفض غبار الروتين القاتل، والوجوه المعتادة من طبقة رجال الأعمال، ونبش الطاقات الكامنة لدى جيل جديد من عالم الأعمال المليء بالتناقضات.

تجربة تلك السنوات في العمل، لم تك مبشرة، أو مشجعة، بل ثمة ما أُلمح إليه، في الحكومة السابقة التي حلت مجالس الأعمال، يتعلق بممارسة بعض أنواع الفساد. ولم يتحدث عنه وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السابق صراحة، وحاول أكثر من مرة، التهرب من الإجابة عن تساؤلات من هذا القبيل. إلا أن واقع الحال كان ينضح بقصص الفساد المختلفة، وهذا ما تؤكده الطريقة التي حُلّت بها تلك المجالس، والانتظار طويلاً ريثما يعاد تشكيلها، ويقع الخيار على عدد من الدول الصديقة للبدء معها، والانطلاق نحو تأسيس علاقات على مستوى رجال الأعمال، تكون أكثر دينامية، وتطوراً، وقادرة على دفع العمل الاقتصادي بين سورية وتلك البلدان.

لا يبدو السؤال ملحاً الآن، هل المجالس الجديدة قادرة على الوفاء بالمهام المنوطة بها؟ وهل بإمكانها تفعيل التعاون الاقتصادي، وتعزيز العلاقات التجارية؟ وكأنه سؤال استباقي، لكنه في حقيقة الأمر سؤال جوهري، يتعلق بعدم الإفراط في الأمل المعقود على هذه المجالس، وعدم بناء آمال وطموحات كبيرة، بينما القدرات والإمكانات المتاحة أقل من ذلك بكثير. بل إنه دعوة إلى التعاطي بموضوعية وواقعية، مع هذه المجالس التي لها دور مهم بلا شك، لكنه محدود في ظل أزمة متفاقمة، وعقوبات اقتصادية جائرة، وقوانين وأنظمة تحكم العمل الاقتصادي، وتلعب أغلب الأحايين دوراً سلبياً، وتحد من الرغبة القائمة في النهوض بهذا الواقع المليء بالتناقضات، فضلاً عن عدم قدرة هذه المجالس في الأزمة الراهنة على القيام بما طُلب منها. لا يمكن التعويل كثيراً على مجالس أعمال، أثبتت في المرحلة السابقة، أنها بحاجة إلى جهود أكبر بكثير لتؤدي دورها، بدليل أن كثيراً من أعضائها لم يقدموا شيئاً لمجلس الأعمال الذي ينتمون، رغم أنهم كانوا يتفاخرون بوجودهم في هذا المجلس أو ذاك، وجعلوا المجلس مطرحاً للاستفادة والمتاجرة، في الوقت ذاته. مجالس الأعمال المُشكلة مؤخراً أمام فرصة، وتحدٍّ، جديدين، يتعلقان بمدى قدرتها على تحريك المياه الراكدة اقتصادياً وتجارياً. ونحن بالانتظار، لمعرفة ما ستقدمه هذه المجالس الوليدة قريباً، فهل ستعيد التجربة السابقة، الفاشلة، أم أنها ستكون مجالس أعمال حقيقية؟

العدد 1105 - 01/5/2024