تقرير المكتب السياسي في اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري الموحد: نمر: لا مستقبل للمشروع الإرهابي في سورية والعراق

مؤتمر وطني عام يعزز صمودنا ويحدد مستقبل سورية الديمقراطي العلماني المعادي للإمبريالية

 قدّم الرفيق حنين نمر، الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحد، في اجتماع اللجنة المركزية للحزب، يوم الجمعة 3/6/،2016 تقريراً عن آخر تطورات الوضع السياسي، ناقشه الاجتماع ووافق عليه، وهذا نصّه:

بعد أن حققت مساعي الحلول السياسية للأزمة السورية بعض التقدم خلال الجولات الثلاث التي عقدت في جنيف وفيينا، فقد تجمّد الوضع بانتظار استئنافها في موعد لم يحدد بعد، ويحتمل أن تشهد التحركات السياسية والعسكرية نشاطاً مستجداً في الأيام القادمة.. فما الذي تحقق؟ وما الذي ينتظر تحقيقه خلال المرحلة القادمة؟ وما هي آفاق الحل السياسي؟ وكذلك الدور الذي تلعبه الخريطة العسكرية في  الميدان صعوداً أم هبوطاً؟

بالأساس يمكن القول إن انعقاد مباحثات جنيف في العام الماضي كان استجابة لعدد من العوامل، أهمها سقوط شعار الحل العسكري الذي بنت عليه الفصائل الإرهابية المسلحة خططها واستراتيجيتها، التي تهدف إلى إسقاط الدولة السورية ولو أدى ذلك إلى تفتيتها وتقسيمها إلى دويلات صغيرة متناحرة، ولأن هذا الهدف لم يعد مستبعداً بعد مأساة ليبيا والعراق، وهو ينسجم أيضاً مع مخطط الشرق الأوسط الكبير، مخطط كونداليزا رايس الذي يرسم خرائط جديدة للمنطقة ويحدد دورها في الصراع العالمي إلى جانب الحليف الأمريكي الأكبر. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف الخطير كان لابد من إزاحة العقبة السورية التي تحولت إلى عقبة دائمة أمام المخططات الاستعمارية العالمية أو الإقليمية، وكلنا يتذكر الصمود السوري في الخمسينيات من القرن الماضي.

ثم إن التوجه إلى جنيف بدلاً من إسقاط الدولة أو النظام هو تحصيل حاصل لصمود الشعب والجيش السوري.. فقد حشد الحلف الإمبريالي – الإرهابي أقصى ما يمكن من الطاقات البشرية الشرسة المستقدمة من أنحاء العالم كافة، ورصد مليارات من الدولارات، واستنفرت أرقى وأضخم الاختراعات الإلكترونية والإعلامية، واشترى ضمائر آلاف البشر وبضمنهم بعض من كان وطنياً وتقدمياً بالأمس، وارتكب هذا الحلف واحدة من أفظع المجازر في العصر الحديث، ووُضعت الدبلوماسية الأوربية الغربية بخدمة الهجوم على سورية أو عزلها أو إسقاطها، هذا إذا استثنينا تدمير المؤسسات العامة والتفجيرات الوحشية في كل مكان، ولكن ذلك كان دون جدوى أمام شجاعة الجنود والضباط السوريين ومن ورائهم الشعب السوري، وبمساعدة الأصدقاء والحلفاء الروس والإيرانيين..

وكان التحول بارزاً أيضاً على الصعيد الشعبي العربي، وامتد قليلاً ليصل إلى بعض الأنظمة العربية (الجزائر، العراق، مصر نسبياً)، نضيف إلى كل ذلك الروح المعنوية العالية لجيش وشعب يقاتل وهو في أرضه معتدين وغزاة من مختلف الأصناف، رغم أنهما، أي شعبنا وجيشنا، يعانون الكثير من الآلام من حيث رؤية الفساد وهو يستشري، وازدياد الغلاء، وثراء قلة على حساب تدهور معيشة الكثرة.

والحق يقال، لم تكن شراسة الهجمة والعدوان متوقعة إلى هذا الحد الذي رأيناه، كما لم يكن متوقعاً هذا الاتساع في حلقات ودوائر التخطيط له وفي الجهات الممولة لهذا المشروع الخيالي في نفقاته، إذ تقدر نفقات العدوان ما يكفي لتحويل الدول العربية بكاملها إلى بلدان متقدمة صناعياً. لقد كثرت الرهانات على عدم قدرة الدولة السورية على تحمل تبعات هذا العدوان الخطير والكبير، وكان هناك من يتوقع رحيل الدولة السورية خلال أسابيع، إلا أن صمود سورية والدعم الروسي الكبير قد غيّرا معادلة الصراع، ليصبح التوازن الاستراتيجي قائماً، لكن تكريسه وتحوّله إلى توازن قوي وصامد يتطلب تأمين الجبهة الداخلية السورية وتصحيح أوضاعها.

بعد هذا العرض السريع للتطورات الحاصلة بعد انفجار الأزمة، نصل إلى الاستنتاج الرئيسي ألا وهو أن الحلف المعادي لم يكن يهدف إلى الذهاب إلى جنيف أو فيينا أو موسكو من أجل الحل السياسي، بل لعرقلة الجهود السياسية، والدفع باتجاه الإسقاط والتدمير وإركاع المنطقة بكاملها بالقوة الغاشمة.

ولما عجز عن ذلك تظاهر بالتنسيق مع روسيا لإيجاد حل سياسي، ولا شك أن هناك عوامل أخرى عديدة تلزم الأمريكان بالسير مع الحل السياسي، منها رغبة أكثرية الرأي العام العالمي شعبياً ورسمياً بهذا الحل، واليأس من إمكانية زحزحة الوضع السوري الجيوسياسي الذي أصبح جزءاً من المنظومة العالمية العاملة على إعادة التوازن للعالم، إلا أن الجوهر الحقيقي للسياسة الأمريكية ما يزال كما كان مع بعض التغيير الديماغوجي في الأسلوب.. خاصة أن الموقف الأمريكي يتعرض لضغوط داخلية أمريكية، ولضغوط أتباعها في المنطقة وهم السعوديون والأتراك من ناحية، وضغوط الجمهوريين الأمريكان من ناحية أخرى.

ومن استعراض مجمل المواقف الأمريكية في جنيف، وأوضاع المعارضة الإرهابية المسلحة، نصل إلى الاستنتاج بأن هؤلاء المتمثلين بمؤتمر الرياض، لا يريدون الحل السياسي الذي وضعت أساساته في جنيف وفيينا، والذي يؤكد على سلامة حدود سورية ووحدتها والحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، بل يضعون شروطاً تعجيزية غايتها استلام مفاتيح السلطة وإقامة دولة إرهابية تكفيرية على أنقاضها مرتبطة بالمشروع الأمريكي- الإسرائيلي – الرجعي العربي.

وعندما عجزوا عن تغيير مسار جنيف، قرروا مقاطعته وحشد قواهم لتحقيق انتصار عسكري ما، بعد سلسلة الهزائم التي منوا بها.. وكان للهدنة التي اتُّفق عليها بعض الآثار السلبية التي استغلها الإرهابيون لإدخال نحو 7000 مقاتل إرهابي إلى الداخل السوري عبر بوابات العبور التركية، وأسلحة متطورة ساعدتهم على إعادة احتلال عدة مواقع سورية، وقد أكدت مجلة استراتيجية غربية إرسال أمريكا لثلاثة آلاف طن من الأسلحة تضم بنادق كلاشينكوف ومدافع عيار 7,12 و5,14 ومتفجرات وما يقارب 8000 صاروخ فكتوريا المضاد للدبابات والمدرعات، وكانت الشحنة الأولى التي تضم 994 طناً قد انطلقت من ميناء في بلغاريا في 4 كانون الأول الماضي، أي بعد 20 يوماً على تفاهم فيينا الأمريكي الروسي على إطلاق العملية السياسية في سورية، لتصل بعد 10 أيام في 81 حاوية إلى ميناء العقبة الأردني.

 وفي هذا الصدد يجب التحذير الشديد من استغلال أمريكا للوضع الحرج في الشمال الشرقي للبلاد لكي تنشئ قواعد عسكرية فيها، ولتصبح لاعبة أساسية في المعركة لتستطيع مع تركيا المساومة على بعض الأراضي السورية.

إن الشعب السوري الذي قاوم خلال الخمس سنوات الماضية أعتى هجمة عدوانية على أرضه، سينجح تماماً في إفشال أية محاولة خبيثة لاقتطاع أي جزء من الأراضي السورية.

أيها الرفاق الأعزاء!

إننا نرى أن المشروع الإرهابي مشروع لا مستقبل له في سورية أو في العراق، وها هي الأراضي التي استولى عليها تعود شيئاً فشيئاً إلى حضن الوطن، وتنفضح الطبيعة الفكرية لنظام داعش وتثير استياء متزايداً لدى الشعوب أينما كانت، وعلى النطاق العالمي تتزايد فعاليات مكافحته رغم النفاق الأمريكي والأوربي الذي لا يقدم ما هو ضروري للحرب ضده.

وقد فشلت في سورية أحد أهم مرتكزات هذا المشروع، وهو الفتن الطائفية والحرب الأهلية، والشعب السوري يزداد وعياً، وقد أعاد الكثيرون ممن خدعوا في بداية الأمر النظر في مواقفهم، واتضحت لهم حقيقة هذا المخطط الاستعماري الرجعية وأكاذيبه، والمطلوب هو التيقّظ حيال نشاطات الطابور الخامس والحرب الإعلامية والنفسية.. والأهم من ذلك هو إعادة النظر بالأوضاع الداخلية لجهة الالتفات لمصالح الناس ومعيشتهم ولمحاربة الفساد والغلاء. إن استمرار مساعي الحل السياسي إلى جانب إحراز تقدم مستمر على الصعيد الميداني، يبقى هو الطريق لإعادة السلام إلى ربوع بلادنا وتحرير كل شبر من دنس الغزاة.

لقد وضع حزبنا منذ الأيام الأولى للأزمة رؤيته حول الحل السياسي وأسباب تأييدنا له، باعتباره الخيار الأول لشعبنا وحكومتنا من أجل إنقاذ البلاد من المذابح والمجازر، ومن سيطرة قوى الإرهاب على أجزاء غالية من أرض الوطن، وإعادة الاستقرار والسلام والأمن إليها.. ودون توقف القتال وطرد الغزاة لا يمكن أصلاً تأمين استئناف الحياة الطبيعية على كامل الأراضي السورية، ودون ذلك أيضاً لا يمكن رسم صورة سورية الغد، سورية العلمانية، الديمقراطية والمدنية، والتقدمية، والمحافظة على خطها الوطني والقومي والمساهمة في النضال العالمي الأممي ضد الإمبريالية.

وقد أوضح حزبنا منذ البداية، وخاصة في مؤتمره الثاني عشر، أن الوصول إلى هذه الأهداف يتطلب حلولاً سياسياً لمشاكل البلاد الحالية، وحلولاً سياسية أيضاً للمشاكل التي خلفها العدوان الدموي على بلادنا، اقتصادياً وسياسياً وثقافياً ومجتمعياً. إن تهرّب أمريكا والدول والقوى التابعة لها من الحل السياسي يعني أنهم يريدون تدمير سورية تماماً أو على أقل تقدير يريدون إدخالها في حرب استنزاف طويل المدى تلغي دور سورية وإعادتها إلى الوراء عشرات السنين، ولكن الحلف الاستعماري – الرجعي يتكلم أيضاً عن الحل السياسي، ولكن أي حل يقصدون، إنهم يقصدون ذاك الحل الهش الذي يسلم سورية للقوى الرجعية الظلامية المرتبطة بالمخططات الإمبريالية، وفي سبيل ذلك يطرحون حلولاً تعجيزية ويتهربون من الحلول الواقعية ومن اللقاءات والمؤتمرات التي تبحث ذلك، ويلجؤون إلى التصعيد المسلح وإلى التفجيرات الإجرامية أينما كانت.

إن حزبنا يولي اهتماماً كبيراً للمعاناة الداخلية للشعب السوري، ومع تقديره وفهمه للصعوبات الاقتصادية الناشئة أساساً عن العقوبات الظالمة المفروضة عليه، يرى أن المعالجات ماتزال قاصرة، وفيها الكثير من الارتجال، وفيها أيضاً ما يأتي في مصلحة فئة صغيرة تستأثر بالثروة وبالمزيد منها، وذلك على حساب الغالبية الساحقة من الشعب العامل، والاستمرار بعقلية الابتعاد عن القوى السياسية الوطنية وعدم إيجاد الصيغ الضرورية لتوسيع قاعدة المشاركة بالحكم.

إن التصدي لمشاكل البلاد الصعبة يستوجب رص صفوف كل الوطنيين في البلاد، والدعوة إلى مؤتمر وطني عام تشارك فيه الأحزاب والقوى السياسية والهيئات الاقتصادية والثقافية والمجتمعية في أقصر زمن ممكن، للخروج بنتائج تقوّي الجبهة الداخلية وتضع إطاراً عاماً لمعالجة مشاكلها وطرق الخلاص من الأزمة المستحكمة، وتحديد الطريق الذي يوصل سورية إلى رحاب التغيير الديمقراطي التقدمي.

وهكذا ترون، أيها الرفاق والرفيقات، كم هي ملحّة المهام الآنية الملقاة على عاتق قوى التقدم والديمقراطية والعلمانية، ومنها حزبنا، وخاصة المهام التالية:

1- الاستمرار في دعم جهود الجيش العربي السوري، في مواجهة الإرهاب والدفاع عن الوطن.

2- الحفاظ على الدولة السورية وسيادتها وسلامة أراضيها ومؤسساتها العامة والخاصة.

3- نبذ النعرات المذهبية والطائفية، والإثنية، والمناطقية.. فهي وسيلة الأمريكيين والإرهابيين لهدم الدولة السورية وتقسيمها.

4- الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني عام، يضم جميع مكونات شعبنا السياسية والاجتماعية والدينية، وذلك بهدف تعزيز جبهتنا الداخلية في  مواجهة الإرهاب، والتوافق على ملامح الغد السوري، الديمقراطي، العلماني، المعادي للإمبريالية والصهيونية والرجعية.

العدد 1105 - 01/5/2024