هل ينتهي الحب الحقيقي؟!

إن فهم العواطف فهماً صحيحاً هو من أصعب العقبات الهائلة التي تقف في طريق (التنوير الحديث) والثقافة الفكرية لدينا، وهذا لا يعني أن العواطف لا يمكن أن تُفهم، ولكن الحقيقة هي أننا نحن من نرفض فهم مشاعرنا. إننا من نروج للكثير من الهراء حول العلاقات العاطفية.

باتت إعادة النظر في طبيعة العواطف ضرورية، لأن العواطف لا تنشأ بلا سبب وليست غامضة التوصيف. إنها انعكاسات تؤثر على نظام القيم الإنسانية الداخلية. ويعقب تلك المؤثرات الإيجابية مشاعر إيجابية، ومشاعر سلبية لمؤثرات سلبية.

وينطبق هذا المبدأ على الحب تماماً كما هو الحال في جميع المشاعر الأخرى.

تجاهل العقلانية أو عدم وجودها في مظاهر معينة من (الحب)، يوضح كم هو الحب استجابة قوية لرغبة التواصل مع أهم القيم المقدسة لدينا المصاغة بهيئة شخص آخر. الحب (إيثار) هو صفة علينا الوقوف عندها – أحبك لأنني أحب نفسي – التركيز هنا، فيما إذا كان الحب يمكن أن يسمى بـ(الحقيقي). وإن كان موجوداً، فهل ينتهي!

إن بداية التفكير بالشكل العقلاني لـ(الحب)، تظهر ثلاثة أسباب قد تؤدي إلى (سقوطه): أولها حين يكون أحد الشريكين أو كلاهما لا يلبي توقعات الآخر، وثانيهما حين يتغير أحدهما بطريقة موضوعية على مر الزمن. وثالثها القيم المتغيرة التي تصيب أحدهما ولا تلقى استجابة الآخر.

الأول سهل الفهم، إنهما شخصان يدخل كل منهما في علاقة بناء على معرفة مسبقة بشخصية الآخر. لكن معظم الشركاء لا يعرض ذاته بشكل كامل، وقد يبدي قيماً قد لا ترضي الطرف الآخر. وبالتالي فإن الآخر يكون قد استمد عواطفه من قيم غير موجودة إلا في خياله. وحاول بناء كذبة تجعله مطمئناً. إنها خدعة الذات، ولا خداع في الحب ولو كان ذاتياً.

من الممكن أن يتغير أحد الشريكين نحو الأفضل، أي من خلال القضاء على أجزاء غير عقلانية في حياته لصالح سلوك أكثر عقلانية، ولكن هذا لا يغير بالضرورة قيم الشريك الآخر في الوقت نفسه. وهذا التقلب في شخصية الشريك الأول لا تؤثر على وجود الحب الخالص أو عدم وجوده. التغيير الموضوعي هنا تناول الحب بطريقة أخرى قد لا يقبلها الشريك ويعتبرها بداية النهاية.

في الحالة النهائية، قد تخضع قيم الشريك لتغيير إلى الأفضل أو الأسوأ. إن أياً من القيم الجديدة هي نتائج العمليات النشطة للفكر، كشريك لا يمكن أن توضح أسباباً منطقية لتطبيق قيم قديمة على أنظمة حالية. وهنا الحب المبني على ما كان، يتهاوى بالتغيير الحاصل.

يمكن للعلاقات أن تنتهي لعدد من الأسباب المنطقية التي لا تؤثر بالضرورة على المشاعر أو الفاصل المكاني، أو مشاكل في الوقت الذي يمكن أن يكرسها كل من الشريكين لعلاقة أخرى. فهما لا يزالان يعيشان الحب الصامت، ولكن الحفاظ على العلاقة قد يحل محله الانفصال في ظل الظروف القائمة.

إن الحب متمثل بالأنانية والاكتفاء الذاتي جنباً إلى جنب مع الإيثار، ولكن العلاقة ليست كذلك، فهي تذبح أمام الواقع، ويصبح الحب بسببها عبئًا يفضل كتمه. صحيح أن مشاعر الحب لا تتوقف على عدد مرات اللقاء، لكن قيمة الوقت المشترك والتقارب المكاني، وما إلى ذلك لها أهمية عالية في العلاقة التي سرعان ما تنهى لفتح فرص جديدة لكليهما لتلبية تلك الاحتياجات.

هل يعني هذا أن جميع علاقات الشركاء المنفصلين جغرافياً محكوم عليها بالفشل؟ بالطبع لا! يدوم الحب الذي يتقاسمانه إن لم يتغيرا، وأثبتت الدراسات أن الحب عبر المسافات أكثر حميمية واشتعالاً.

إن فكرة: (كل ما تحتاجه هو الحب) قد لا تنطبق على الواقع المعاصر، لكن الحب يبقى مصدر التجديد الإنساني، إنه منبع الطاقة القوية لمتابعة العمر في ظل القيم المادية المتكاثرة.

الحب الحقيقي لا ينتهي، يصقل الروح ولو مضى بعيداً و(القلبُ الكسير يخبئ كنوزاً).

العدد 1140 - 22/01/2025