تركيا.. من حلم «العثمنة» إلى حلم «الأوربة»!

 تقول المصادر الأوربية الرسمية إن المهاجرين إلى أوربا معظمهم من السوريين، وليسوا سوريين فقط، لكنهم (مسلمون)، وبذلك فهم يمثلون ثقافة تخشى منها القارة العجوز.. المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل رحبت باللاجئين المهجّرين على اعتبار أنهم عمال رخيصو التكلفة (عبيد جدد)، إلا أن هذا الترحيب لم يقنع السواد الألماني، ما أدى إلى انخفاض شعبية الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم إلى أدنى مستوى له منذ عشر سنوات، إذ تتصاعد في صفوفه الأصوات المعارضة للمستشارة الصلبة، كما أكد استطلاع نشر يوم الأحد الخامس والعشرين من شهر تشرين الأول الماضي، إذ تنشط ضدها بقوة (حركة بيغيدا) اليمينية المتطرفة. ومن اللافت للنظر أن تصاعد الاعتراض يأتي من المقاطعات الشرقية مسقط رأس ميركل نفسها.

علاوة على ذلك، تلجأ المجر إلى أسطورة التاريخ القديم التي أحيتها إسرائيل، وهي أسطورة بناء الجدران العازلة.. (سلوفينيا) الواقعة بين المجر وكراواتيا والنمسا وإيطاليا تعجبها أيضاً مسألة الجدار، فيهدد رئيس وزرائها ميرو سيخرار باللجوء إلى بنائه إن لم تسعفه الدول الأوربية بالمساعدات، كما يحذر بأن الاتحاد الأوربي سيبدأ في الانهيار في حال عدم اتخاذه إجراءات فورية وملموسة.

التشيك تصرخ بأعلى صوتها بلسان رئيسها ميلو سزيمان، محذرة من تطبيق الشريعة الإسلامية، فيتهم بأنه معاد للأجانب والإسلام، ليرد متحدث باسمه قائلاً: إن الرئيس حذر منذ مدة طويلة من خطر التشدد الإسلامي، وهو متمسك برأيه ولن يغيره تحت ضغط من الخارج.

في الدانمارك تتبنى الحكومة الجديدة مجموعة من الإجراءات تحد من تدفق الأجانب مثل تخفيض معونات الأجانب، ونشر إعلانات في الصحف اللبنانية لحض السوريين على عدم اختيار بلدهم بلد لجوء..

السّويد الأكثر تسامحاً مع اللاجئين، تعلن الوكالة الخاصة بشؤونهم أن ما يتوقع وصوله خلال العام الحالي والذي قد يصل عدده إلى 170 ألف لاجئ يتجاوز قدرة البلاد على الاستيعاب، كما ترتفع أصوات برلمانية وشعبية تطالب بإقفال الأبواب أمام المهجرين وحتى بطرد الأجانب من البلاد!

وهكذا، بين الحاجة إلى الأيدي العاملة والرعب الثقافي لقارة مسيحية الهوية، لا تجد  المستشارة الألمانية منقذاً لها مما أسمته (الورطة) إلا التنسيق مع تركيا، فقالت في قمة بروكسل المصغرة مؤخراً: إن زعماء وسط أوربا وشرقها لن يحلوا أزمة المهاجرين إلى الاتحاد الأوربي بمفردهم، ويحتاجون إلى مساعدة تركيا، عبر إجراء مزيد من المفاوضات كي تتحول اللاشرعية إلى شرعية.

إذاً هناك ثلاث مسائل تبرز من خلال كل هذه المجريات: الأولى، أن الأزمة المفتعلة هي أزمة وسط أوربا وشرقها. المسألة الثانية، أن اللاجئين ليسوا سوريين فحسب، وهذا ما يعني أمرين، الأول إما أن مواطني أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين وغيرها من دول المشرق وجدوا في الأزمة السورية فرصة لتحقيق حلمهم بالعيش في أوربا (الحلم الأوربي)، والأمر الثاني أن هؤلاء هم الإرهابيون وعوائلهم الذين جاؤوا من كل حدب وصوب إلى سورية للقتال فيها تحت راية (تدّعي الإسلام).

أما المسألة الثالثة فهي أن هذه الهجرة هي هجرة الجنوب إلى الشمال، في حالة ارتداد تشبه حالة ارتداد ما بعد الكولونيالية الغربية في العالم الإسلامي والإفريقي والعربي.. فالشمال – كما هو معروف تاريخياً- سحق الجنوب ودمره وامتص دماءه وثرواتهن فهرب الجنوب إلى الشمال ليلجأ أولاً ويأخذ ثأره ثانياً.

إن معادلة الشمال هذه قد تطبق بشكل متدرج وغريب، فلبنان الذي تخاف الدانمارك من خروج اللاجئين السوريين منه إليها، هو في الجنوب بالنسبة إليها، وكذلك هي أفغانستان وباكستان والعراق، أما سورية التي تقع في جوهر الأزمة فهي تقع جنوب تركيا التي أعدت مخيمات للاجئين السوريين قبل بدء تهجيرهم من ديارهم من قبل الإرهابيين، وبسبب ممارساتهم بحقهم وبحق دولتهم عبر ضرب البنية التحتية للدولة وتدميرها.. الأمر الذي خلق صعوبات كبيرة أمام المواطن السوري في مجال تأمين احتياجاته الأساسية، لاسيما في المناطق التي تسيطر عليها داعش والنصرة وأخواتهما… فتركيا طرف أساسي في خلق أزمة المهجّرين من سورية، ظناً من أردوغان السفاح أنه سيقيم بهم منطقة عازلة بعد أن فشل في إقامة دولة للإخوان المسلمين في سورية.

تركيا قررت بعد ذلك التخلص من اللاجئين إليها، لأن مشروع أردوغان قد سقط وأصبحوا عبئاً عليها حسب ادعاءاتها، فقررت إرسالهم إلى أوربا، لتخوض بهم مشروعاً جديداً هو مساومة أوربا على ما تسميه (أخطارهم) بثمن تنازلات تقدمها القارة العجوز إزاء الحلم التركي بالانضمام الكلي أو على الأقل الاقتصادي إلى الاتحاد الأوربي.

إذاً.. سقط حلم (العثمنة)! فليُبَع السوريون والعراقيون وغيرهم بحلم (الأوربة)! هو دائماً طمع الشمال بالجنوب لاستعماره من جديد، ولو بشكل غير مباشر، كل هذا يشير إليه نمو اليمين المتطرف في عدة دول أوربية مثل النمسا وهولندا وفرنسا، ووصوله إلى دفة الحكم في دول مثل الدانمارك وسويسرا، إلا أن نموه الأبرز هو في دول شرق أوربا الاشتراكية ووسطها سابقاً، يفاقم ذلك استمرار الأزمة الاقتصادية ما جعل أوربا تقف أمام منعطف يشبه ذاك الذي واجهته قبل الحرب العالمية الثانية، إلا أن الضحية هي الجنوب والعرب خاصة.

العدد 1105 - 01/5/2024