بين صعود الدولار وهبوطه.. من المستفيد؟!

لما يزيد عن خمس سنوات من عمر الأحداث في سورية ما زال المواطن ضحية لأمواج متلاطمة تأتيه من كل حدب وصوب دون أن تدعه يستقر على شاطئ الأمان كما يقال. المواطن الذي فجع بنعمة الأمن والأمان ما أدى إلى تهجيره من بيته ومعمله ومدرسته وأرضه بات في مهب العراء يعيش على ما تجود عليه به الهيئات الدولية والمنظمات الإنسانية ويحلم بالعودة إلى الاستقرار والعطاء من جديد.

وإذا كنا قد تحدثنا عن هذا مطولاً في أعداد سابقة، وكي لا نقع في التكرار، فإننا سنتحدث اليوم عن الأمواج التي عصفت بالأسعار فجعلتها تطير بين عشية وضحاها في ظل عدم استقرار سعر الصرف وتهاوي قيمة الليرة السورية مقابل العملات الأخرى، بالرغم من التدخلات والتصريحات الطنّانة والعنتريات التي جاد بها المعنيون بالشأن المالي.

بعد أن وصل سعر صرف الدولار إلى حد لم يصل إليه طيلة سنوات الأزمة وما سبقها، وبعد أن حلّقت الأسعار عالياً وبات المواطن يحلم بقضاء ليلته على سندويش الفلافل بعيداً عن الخضار والفواكه واللحوم وغيرها، فوجئ هذا المواطن بتهاوي سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية في زمن قياسي. وبالرغم من هذا التهاوي السريع الذي أعطى للفريق الاقتصادي نقطة ايجابية بعد كل النقاط السلبية والأقاويل والأحاديث التي طالت ذلك الفريق واتهمته بالغباء الاقتصادي، فإن لسان حال السوري يقول بأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.

السيد أبو محمود (تاجر) تحدث لنا عن استجراره للكثير من السلع والمواد إلى محلّه ومستودعاته، بعد أن انتشرت شائعات وأقاويل تفيد بأن سعر الدولار سيصل إلى 1000 ليرة مبرراً لنا ذلك بأنه تاجر وأن الربح هو الهم الأول والأخير في التجارة، ولكن الذي حدث من هبوط مفاجئ في سعر الدولار جعله يخسر رأس ماله ويقرر الانتظار أسابيع أو أشهراً دون بيع، فربما يعاود الدولار الارتفاع ويتمكن من بيع بضاعته بالسعر الذي اشتراها فيه على الأقل.. ويضيف بأنه لم يعد يفكر بالربح أبداً، فجلّ همّه واهتمامه في استعادة رأس ماله الذي سيخسره فيما لو باع وفق الأسعار الحالية التي يروّجون لها بعد انخفاض الدولار.

السيدة أمل عيسى (ربة منزل) تحدثت عن التذبذب في أسعار صرف الدولار وانعكاس زيادة سعر الصرف على الأسعار أثناء الارتفاع، ولكن عند هبوط قيمة الدولار فإن الأسعار تبقى كما هي، والأنكى من كل هذا تبريرات التجار لعدم تعديل أسعارهم بأنهم اشتروا وفق سعر صرف مرتفع ومن غير المنطقي ان يخسروا ويبيعوا وفق سعر الصرف الحالي، طبعاً مع الإشارة هنا إلى غياب كامل لدوريات التموين وحماية المستهلك.

وإذا كان الشارع السوري قد انشغل منذ أسبوع تقريباً بظاهرة انخفاض سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة السورية، إضافة إلى انشغال صفحات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات أو أخبار عن هذه الظاهرة التي ما زالت في إطار من الغموض، مما يجعل من العسير تفسيرها بالسرعة التي ارتفع فيها أو هبط خصوصاً أن الإجراءات التي زعم البنك المركزي أنه قام بها فحسّن من سعر صرف الليرة كان سبق له أن قام بها في جلسات تدخل عديدة، ولكنها لم تفلح في السابق في تحسين سعر صرف الليرة السورية، فما الذي جرى الآن؟! وكيف يخسر الدولار الأمريكي أكثر من ثلث سعره مقابل الليرة السورية بعد أن وصل الدولار إلى 650 ليرة سورية منذ أيام قليلة، طبعاً مع سعادتنا فيما لو استمر بالهبوط المدروس ليصل إلى مستويات قريبة مما كان عليه قبل اندلاع الأحداث.

وإذا كانت بعض المصادر قد قالت لبعض وسائل الإعلام الروسية يوم الخميس إن تدخل البنك المركزي السوري هو الذي أسهم بتحسن سعر صرف الليرة مقابل الدولار، فإنها أضافت بأن هناك عوامل غير مفهومة على حد ذكر المصدر الاقتصادي كان لها دور في ذلك!!

كما عبّر موقع (خطوات سوريا) الإلكتروني عن حيرته في فهم ظاهرة ارتفاع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار، وجاء في منشور هذا الموقع : إذا كان السبب في ذلك هو تدخل البنك المركزي الذي أدى إلى التحسن الكبير الذي طرأ على سعر صرف الليرة مقابل الدولار خلال اليومين الأخيرين، فإن هذا  يدفعنا للتساؤل عن السبب الذي جعل المصرف المركزي يترك سعر الليرة ينخفض إلى مستويات كبيرة طالما أنه كان قادراً بطريقة أو بأخرى على التأثير بالسوق وضبطها.

وأعلن الخميس في دمشق عن أن سعر صرف الدولار مقابل الليرة وصل إلى 470 ليرة سورية، على أن يتم صرف الحوالات الدولارية بسعر صرف 475 ليرة للدولار الواحد، بعدما تجاوز عتبة 650 ليرة في الأيام القليلة التي سبقت ظاهرة الهبوط المفاجئ في سعر الدولار مقابل الليرة.

من جهة أخرى يؤكد المركزي أنه لن يسلم الحوالات لأصحابها إلا بالعملة المحلية، أي أن البنك هو الذي يشتري الدولار المحوّل ثم يسلّمه للمرسل إليه بالليرة السورية بعد أن فرض سعر مغرٍ بدا في الآونة الأخيرة أنه أعلى من سعر السوق السوداء. وهنا نسأل إن كانت السيولة قد توفرت من العملة المحلية إلى درجة المضاربة على المضاربين في السوق السوداء فكيف توفرت تلك السيولة؟!

حاكم مصرف سورية المركزي، أديب ميالة، دافع ضد التهم الموجهة إلى المركزي السوري بأنه ترك سعر صرف الليرة السورية ينخفض إلى مستويات جنونية، وقال إن مصرفه لم يترك سعر الصرف ينخفض وفق أهواء السوق السوداء، واعداً بجلسات تدخل إضافية، واعتبر اتهام المركزي بأنه المتسبب بانخفاض سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار بأنه حملة مضادة يقودها البعض للنيل من المركزي.

عضو مجلس الشعب فارس الشهابي، وهو من الخبرات التي تمتلك الباع الطويل في مجال التجارة والأعمال، استغرب هذا الانخفاض المفاجئ بسعر صرف الدولار ووصف سرعة هبوطه بـالسرعة الضوئية، متسائلاً عن الإجراء العجيب الذي اتخذته الحكومة وأدى إلى ذلك.

أخيراً

صعد الدولار أو هبط فهذا لا يهم المواطن السوري، فأسعار السلع في السوق هي التي تحدد ما إذا كان هناك تحسن حقيقي بسعر صرف الليرة أم لا، الأمر الذي لم يظهر حتى الآن في قوائم الأسعار التي مازالت تقض جيوب المواطنين السوريين وهم على أبواب شهر رمضان المبارك، وهذا ما جعلهم يتساءلون عن المستفيد من ارتفاع الدولار بشكل جنوني وهبوطه بسرعة جنونية أيضاً، على أمل ألاّ يصابوا بالجنون من نوبات ارتفاع وهبوط أخرى في المستقبل!!

العدد 1105 - 01/5/2024