كي لا ننسى…محمود عيسى مناضل عاش بين الناس

 في قرية بشرائيل، التي تستلقي على سفوح جبال صافيتا الشرقية، وتبعد عنها 13 كم، والتي عانت من البؤس والعوز والفقر طيلة عقود كثيرة على يد الإقطاعيين وأعوانهم المدعومين من قبل المستعمر الفرنسي آنذاك، والتي نهضت باكراً للنضال ضد الاضطهاد والظلم والديكتاتوريات فيما سبق، إذ عرفت سجونها الكثير من مناضلي القرية وفلاحيها الذين قدموا التضحيات الكثيرة على هذا الطريق. وكان للحزب الشيوعي الفتي آنذاك دور هام في إنضاج الوعي لدى جماهير هذه القرية وكادحيها.

في هذه القرية الباسلة ولد محمود عيسى عام 1940من عائلة فقيرة شأنها شأن أغلبية سكان القرية. عرف مرارة الحرمان والعوز منذ نعومة أظفاره، وعرف المعاناة التي يتشارك فيها مع معظم سكان القرية، وكان يجب عليه وهو يافع أن ينخرط في العمل كي يستطيع إعالة عائلته. وقد تنقل كثيراً أثناء حياته الشابة من عامل مزارع، إلى عامل ميناء، وكان شأنه في ذلك شأن جيله من أبناء القرية، إما أن يستسلم لمصير ظالم أو أن يعمل على تغيير واقعه.. في أعماقه كانت تكمن قوة جامحة، ترفض الاستسلام والخنوع، وتطمح إلى إعادة النظر في واقعه وإعادة الاعتبار للإنسانية المفقودة لا في قريته فحسب، بل في الكثير من القرى الأخرى التي لا يختلف واقعها عن واقع قريته.

ولم يكن غريباً أن يقوده تطوره اللاحق إلى الحزب الشيوعي، فالقرية والبيئة مهيأتان لذلك، وأن يستمد صلابته وإيمانه العميق بضرورة تحقيق العدالة من صلابة أهالي قريته وإرادتهم ورغبتهم لتحقيق تغيير لواقعهم. ومنذ انتسابه إلى الحزب اكتسب من قريته تقاليدها النضالية وشجاعة أهاليها، وهذا ما ميزه طوال حياته النشيطة والمليئة بنكران الذات.. كان ملتصقاً بأهالي قريته، وبالناس عموماً، ولم يكن يستطيع أن يحيا دون ذلك، وبالتالي كان قريباً جداً من هموم الناس وحاجاتهم، ولم يبخل بشيء في الدفاع عن مصالحهم. خاض النضال السري ضد الديكتاتوريات، ولم يتراجع عن مبادئه، وبقي مخلصاً لها في أصعب لحظات حياته.

عاش الحياة الحزبية بكامل نطاقاتها، من عضو في المنظمات القاعدية إلى أمين اللجنة المنطقية في طرطوس، إلى عضو في اللجنة المركزية، وكان هو وصديقه في النضال عيسى خوري يحوزان معاً على احترام فقراء الفلاحين والقوى السياسية وجميع من عرفهما. وفي هذا السياق لابد من التذكير بأن عيسى خوري وكان قد انتخب نائباً عن محافظة طرطوس، كان الوحيد من بين النواب جميعاً الذي رفض أن تكون للنائب أية امتيازات، وبالتالي فإنه رفض أن يحصل على منزل وسيارة من مجلس الشعب.

في 27/8/1987 وافت المنية حياة هذا المناضل الذي لم يعرف الكلل.. كان لابد أن يؤثر على جسده المقاوم عوامل الكدح المضني كعامل مكافح أو كمناضل ثوري، ولكنه رغم مرضه الخطير الذي لا شفاء منه بقي يهتم حتى بأدق التفاصيل عن الحزب، وعن رفاقه، وعن أناسه، حتى آخر لحظة من حياته.

لتبقَ ذكرى هذا المناضل في نفوس أجيال المناضلين الشباب المقبلين، كي تبقى حيّة في آذانهم التقاليد الوطنية والإنسانية وتقاليد الدفاع دون حدود عن مصالح الشعب.

العدد 1105 - 01/5/2024