كي لا ننسى : حنين وجوزيف شاغوري .. جزء من تراث الحزب النضالي الثر

 

 

لا أعرف أين ولد الأخوان حنين وجوزيف شاغوري، ولكن نسبتهما تشير إلى أنهما من دمشق، ومن حي الشاغور، أما متى، فعلى الأغلب أنهما ولدا في أوائل أعوام العشرينيات من القرن الماضي، ومن المؤكد أنهما من عائلة كادحة، والأدلة التي تشير إلى ذلك أنهما دخلا منذ نعومة أظفارهما باب العمل، أحدهما وهو حنين يتجه نحو العمل في مهنة النجارة وصناعة الموبيليا، وثانيهما جوزيف يتجه نحو العمل في مهنة الخياطة، وكانت تلك المهنة واسعة الانتشار في تلك الفترة من تاريخ سورية المعاصر.

ومن المؤكد أنهما انخرطا في العمل السياسي في منتصف الثلاثينيات، وقد انتسبا إلى الحزب الشيوعي السوري في تلك الفترة العاصفة من تاريخ سورية، حين كانت البلاد تنتفض ضد الاستعمار الفرنسي، وكان الحزب الشيوعي السوري الفتي آنذاك، ورغم قلة عدده، يسير في طليعة المناضلين من أجل الاستقلال الوطني، ويسفر عن وجهه العمالي، وعن وقوفه الحازم إلى جانب كادحي البلاد وفقرائها..

الأخوان شاغوري، ومنذ تلك اللحظة التي انتسبا فيها إلى الحزب، قررا أن يهبا حياتهما للنضال الذي لا يخمد من أجل مصالح الطبقة العاملة السورية، ومن أجل التحرر من نير الاستعمار الفرنسي البغيض، ومن نير الاستغلال القاسي الذي كانت تعانيه الطبقة العاملة والجماهير الغفيرة من الفلاحين.

ينخرط حنين في العمل النقابي، وقد أحبّه عمال مهنته، ورفعوه كي يصبح سكرتيراً لنقابة عمال الموبيليا، وذلك لتفانيه في الدفاع عن مصالحهم، ومن جهة ثانية فقد ساهم في الثلاثينيات من القرن الماضي في العمل السري للحزب، الذي كان ملاحقاً من الفرنسيين، وكان له دور مهم في طباعة نشرات الحزب على الجلاتين وتوزيعها.

أما بالنسبة لشقيقه جوزيف، فقد أصبح أحد الأعضاء النشطين في نقابة عمال الخياطة، ومناضلاً لا يهدأ ولا يكل في الدفاع عن مصالح العمال، وعضواً نشطاً في منظمة الحزب الشيوعي في دمشق. ويروي رشاد عيسى، الذي كان أحد قادة الحزب، إن فوزي الزعيم، وهو أحد الشخصيات الشعبية والشيوعية الهامة في دمشق، كان يعتمد في نشاطه التنظيمي وفي فعاليات الحزب الجماهيرية على رفيقين هما حسين عاقو وجوزيف شاغوري.

لا يمكن الحديث عن مرحلة الثلاثينيات والأربعينيات في حياة الحزب الشيوعي السوري ونضاله، دون التطرق إلى دور هذين الأخوين اللذين كانا على استعداد دائم للتضحية بأي شيء، من أجل خدمة أهداف الحزب الوطنية والاجتماعية.

كانا أبناء مرحلة مليئة بالرومانسية الثورية، مليئة بالتضحية، ومليئة بصحة القناعات والرؤى التي آمنوا بها.

لقد تعرض هذان المناضلان للملاحقة والاضطهاد من السلطات الاستعمارية، والديكتاتوريات دون أن ينحنيا.

كثيرة كثيرة هي الخدمات التي قدّمها هذان الأخوان لقضية الطبقة العاملة، والتي لا يمكن تعدادها، من طباعة المناشير وتوزيعها، إلى تأمين اللقاءات، إلى التحضير للاجتماعات الجماهيرية، إلى العمل النقابي والدفاع عن مصالح العمال، إلى النضال من أجل توسيع صفوف الحزب.. إلخ.. دون التفكير بالمصالح الشخصية ودون التفكير بأي مقابل لهذه التضحية.

لقد كان الأخوان شاغوري ينتميان إلى ذلك العصر، الذي كان الشيوعي فيه مستعداً للتضحية بكل شيء، وحتى بالحياة، من أجل رفاقه، ومن أجل كادحي البلاد.

إن حياتهما النقية ونضالهما المتفاني لأجل مصالح الشعب الشغيل، قد أصبحا بالتأكيد جزءاً من التراث الكفاحي للحزب الشيوعي السوري، وللقوى الوطنية، هذا التراث انغرز عميقاً في التربة السورية وسيبقى حياً.

يونس صالح

 

العدد 1105 - 01/5/2024