العنف صراع أزلي لا تحكمه القوانين

 دعت الأديان وكل المذاهب الإنسانية إلى الرفق والرحمة والمحبة بين البشر، ونبذ لكل أنواع القهر والعنف والكراهية، حتى ينعم الإنسان بحياة كريمة وآمنة ومستقرة….إلاّ أن صراع الإنسان مع أخيه الإنسان حباً للتملك والملك والسيطرة، جعل من العنف سمة ترافق مسيرة حياته في أي زمان ومكان.

فالعنف فعل أو سلوك أنساني يتسم بالقوة والإكراه والعدوانية صادر عن طرف قد يكون فرداً أو جماعة أو دولة، وهو موجه ضد طرف آخر بهدف إخضاعه واستغلاله في إطار علاقة قوية غير متكافئة، مما يسب في إحداث أضرار مادية ومعنوية للفرد أو الجماعة أو طبقة اجتماعية أو دولية.

فتفشّي العنف بين الأفراد والجماعات هو نتيجة تراكمية لصراع اقتصادي أو اجتماعي أو سياسي، وما رافقه من بروز شركات ضخمة لصناعة آلة الفتك بالإنسان، صناعة السلاح التي سهلت قيام أي حرب أو عدوان دون أي رادع أخلاقي أو ديني.

 والنزاعات المسلحة أخطر أنواع العنف، لما تسببه من تشتت للأسر وتفكك للمجتمع، وتمزيق النسيج الاجتماعي والثقافي وعدم الاستقرار الاقتصادي، نتيجة لما تتعرض له المرأة من تعذيب وإهانة واغتصاب وممارسات وحشية لفرض الإذعان على الطرف الآخر. ويعتبر العنف الجنسي وسيلة من وسائل الحرب ونوعاً من أنواع الانتقام والتعذيب والاتجار والإذلال والإكراه على ممارسة الدعارة والتعقيم القسري تحت مسوغات لا يمكن لأي عقل أو دين أو فطرة سليمة تقبّلها. فقد عانت المرأة من العنف المنزلي نتيجة العادات والتقاليد وتبعيتها الاقتصادية للرجل، وكذلك العنف القانوني من خلال سن قوانين تكرس التمييز والعنف ضدها.

الدستور السوري حمى وصان الأسرة وأفرادها، وحمى الطفولة والأمومة والنشء والشباب، وتضمنت التشريعات المحلية قواعد منظمة لسلامة المجتمع وأمنه ورفاهيته، وسلامة مكوناته الاجتماعية وأهمها الأسرة التي انصبت عليها الحماية القانونية، فقد مكّن الدستور المرأة ورعى دورها في العلم والعمل، وأيضا صدر المرسوم التشريعي رقم 3 لعام 2010 المتعلق بالاتجار بالأشخاص، ويهدف إلى منع الاتجار بالأشخاص ومكافحته، وإيلاء اهتمام خاص للنساء والأطفال ضحايا هذه الجرائم، وحماية ضحايا الاتجار بالأشخاص واحترام حقوقهم الإنسانية، ومحاكمة مرتكبي هذه الجريمة ومن له صلة فيها، ومعاقبتهم

 وأيضاً صدر القانون رقم 11 لعام 2013 الذي شدد العقوبة المفروضة على جريمة اغتصاب الفتيات اللاتي تقل أعمارهن عن 15 سنة، وأيضاً المرسوم رقم 55 المتضمن تعديل المادة 17 من قانون أصول المحاكمات الجزائية باستقصاء بعض الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات العام(الجرائم الواقعة على أمن الدولة والسلامة العامة) وجمع أدلتها والاستماع للمشتبه بهم.

وأوجدت الحكومة آلية لحماية حقوق الإنسان إلى جانب القضاء، منها اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني- الهيئة السورية لشؤون الأسرة – الاتفاقات الدولية التي انضمت سورية إلى معظمها والتي تكفل حقوق النساء في الحروب والنزاعات المسلحة، فقد حظرت اتفاقية جنيف لعام 1949 بالمادة 27 الاغتصاب أو أي شكل من أشكل الاعتداء الجنسي، وكذلك البروتوكول الإضافي، ونص البند الثاني من المادة 76-75 على ضرورة حماية النساء بشكل خاص من الاعتداء والبغاء القسري أو أي شكل آخر من أشكال التحرش الجنسي.

فقد عُدَّ الاغتصاب والعنف الجنسي انتهاكاً للقانون الدولي الأساسي إذا ما ارتكب في سياق نزاع مسلح، وانتهاكاً لصكوك القانون الدولي لحقوق الإنسان والكثير من مجموعة القوانين الوطنية أو الدينية أو التقليدية. وأيضاً وضعت المحكمة الجنائية الدولية في النظام الأساسي لها الاغتصاب والعنف الجنسي ضمن قائمة جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم دولية.

ونتيجة لما يحدث في سورية من حرب كونية على أرضها، فقد بات العنف مفتوحاً على مصراعيه، وأصبحت المرأة السورية تعاني كل أنواع العنف من تهجير وتنكيل وتعدٍّ وتحرش جنسي واغتصاب واستغلال واعتقال وتعذيب واختفاء وخطف، ومازالت الجرائم  التي تمارس ضدها مستمرة دون وضع حد لها، مع إفلات المجرمين من العقاب بالرغم من تجريم تلك الأفعال، لذلك يجب على جميع القوى الدولية والوطنية إنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب، واستخدام وسائل أكثر فعالية لإجراء تحقيقات شاملة ومقاضاة الأشخاص الخاضعين لولايتها والمسؤولين عن ارتكاب تلك الجرائم، وإنشاء محاكم مستقلة لشؤون اللاجئين من أجل تحسين سبل وصول ضحايا هذه الجرائم إلى العدالة، بالتزامن والتعاون مع عمل الهيئات القضائية والمحاكم الجنائية الدولية لتعزيز القانون وتوفير الحماية للمرأة، ومنعاً لانتهاك حقوقها على الصعيد الدولي، وأيضاً تضافر الجهود بين المؤسسات الحكومية والمنظمات المدنية وخاصة المنظمات النسائية بإشراك ضحايا العنف الجنسي في البحث عن حلول لمشاكلهم، وسن قوانين وتشريعات صارمة وخاصة تمنع العنف ضد المرأة، ومعاقبة مرتكبيها وتعزيز المعرفة بالقانون  من خلال نشره وتنفيذه.

ولكن تبقى حالة العجز عن إيقاف تلك الجرائم وتبقى الإدانات هي التي تتصدر أية معاناة في مناطق الحروب، فللنساء الحق في المساواة والعدالة والأمن في جميع مراحل الحياة وفي جميع الأماكن والأزمان.

العدد 1102 - 03/4/2024