في جميع الحالات.. نُسدّد …

في جميع الحالات.. نُسدّد الثمن بلذّة وابتسامة
#العدد824 #بقلم_غزل_محمد_عائشة #جريدة_النور

هل كانت معاناة السوريين مع الأمور الأكثر قساوة على النفس البشرية خلال سنوات الحرب هي فقط خطر الموت اليومي؟! أو التشوهات الحاصلة بمخلفات الحرب، أو انهيار الوضع الاقتصادي، أو مساس الفقر أطراف الحياة؟ لا، ليس هذا أو ذاك فقط.
فلا تزال الضحايا تسجّل أعلى المستويات في صفوف الفئات كافة، علماً أنّ المعنى الخفي لكلمة الضحايا هو الموتى، وهذا معروف لدى العامة ووفقاً لإحصائيات المشافي وغيرها من المؤسسات الحكومية القائمة على هذه المهمة.
لكن ما يفتك بالسوريين عموماً، والأطفال بشكل أخص هو وباء الأمراض النفسية والعصبية التي أجّجت اشتعالَها وحشيةُ الحرب أولاً، وفقر الطبابة والعلاج لدى الأجهزة المسؤولة لاحقاً. فما صار شائعاً من التدني في المستوى الغذائي والمعيشي، حكماً سيُحدث تأثيراً على صحة الإنسان، وتغيّرات أحداث الحياة التي يعيشها السوريون ستؤثّر سلباً على عقولهم ونفسيتهم.
فخلال وقوع حادثة ما، تُسرع سيارات الإسعاف سعياً لتدارك الموت، وغالباً ما يتمّ إنقاذ نسبة جيدة، لكن هل تعلم ما نسبة من تمّ إنقاذهم من الانتحار ونوبات الاكتئاب المرضي، أو القلق المرضي؟! عموماً لن تجد النسبة لعدم تسجيل حالات من هذا النوع، ليس لأنها نادرة الحدوث، بل لأنها لا تُحرّك ساكناً في اهتمام الجهات المعنية.
فمنطقياً أصبحت الحرب حملاً نرمي عليه عجزنا أفراداً وحكومة، وعلينا أن نعترف بأنه لا يوجد داخل سورية سوى 34 طبيباً نفسياً فقط، إضافة إلى جهل المريض خطر حالته غير المشخصة، ليبقى الفقر ذريعة الاختناق والموت.
أما الحال في المخيمات ومراكز الإيواء، ومن عاش مشاهداً القتل والتعذيب بالتحديد، فذلك يتطلّب ذريعة سحرية تغطي ممارسات العنف بين الأطفال التي تُعدُّ أحد أهم الأعراض النفسية غير السوية التي يبديها الإنسان من خلال ردود غير متوازنة، فلا طريقة لديهم للتعبير عن مشاعرهم سوى بالعنف، غير أن تدارك سوداوية الموقف لا يتطلب تحركاً سريعاً وتدعيم دور المعالجة النفسية والتوعوية بقدر ما يتطلب معجزة حقاً.
أخيراً، جميعنا في سورية أو خارجها من السوريين، نحتاج بالتأكيد إلى حلول مجدية لمختلف مشاكلنا وأزماتنا التي خلّفتها الحرب، وهذا لن يحصل ما لم تتبع الحكومات سياسات إنقاذية سريعة تواكب كلّ هذا الواقع المؤلم والذي كان للأطفال النصيب الأكبر منه.

العدد 1104 - 24/4/2024