نقلة نوعية في مواجهة مشروع ترامب

 بعد أن تجاوز ترامب صلاحياته وتبرع بمنح إسرائيل القدس عاصمة لها، بنقل سفارة بلاده إليها، قامت الدنيا عليه: تظاهرات، احتجاجات، اعتصامات، خطب حماسية، شعارات ملتهبة.. كل هذا مفيد وهام وضروري، لكن الأهم من كل ذلك، وهو ما يمكن أن يعدّ هدية ترامب للقضية الفلسطينية ولمناصريها، هو إعادة هذه القضية إلى مركز الصدارة دون أن يهدف ترامب إلى ذلك، فالقضية المركزية في المنطقة هي القضية الفلسطينية.

بهذا المعنى يمكن أن نقول لترامب شكراً على حماقتك التي وحّدت الصفوف وهزّت العالم، وحركت الضمير الإنساني، وذكّرت البشرية بأن ثمة شعباً قد ظُلم، ومن حقه أن يستخدم كل الأساليب والأشكال المتاحة له من أجل الوصول إلى كامل حقوقه، وبضمنها حق العودة وإقامة دولته الوطنية وعاصمتها القدس.

ولكن هل يكفي كل ما أمكن إنجازه من مواجهات رأس حربتها أبناء الشعب العربي الفلسطيني في الداخل وفي الشتات، لمواجهة وعد بلفور الثاني؟

ليس خافياً على العقلاء وأصحاب البصيرة أن الولايات المتحدة لا ترهبها الأصوات والهتافات، حتى ولو بُحّت الحناجر، وامتلأت الشوارع بالمحتجين.. ما يخيف الولايات المتحدة هو المساس بمصالحها الاقتصادية وبنفوذها السياسي وبقوتها العسكرية.. ولتحقيق هذه الأهداف لابد من متوالية من الإجراءات تبدأ من البيت الفلسطيني، حجر الأساس في المشكلة، فقد أصبح ملحاً اليوم إعادة هيكلة البيت الفلسطيني وبضمن ذلك منظمة التحرير الفلسطينية، أما ما هو أكثر جذرية فهو وقف كل أشكال المفاوضات مع العدو الصهيوني، وإلغاء اتفاقيات أوسلو، ومواجهة جادة وصريحة واضحة لكل أشكال التطبيع، والإعلان بوضوح وحسم، أن مشروع قمة بيروت لم يعد مادة للتفاوض.

أما على المستوى الإقليمي، فعلى كل الراغبين في مواجهة الكيان الصهيوني أن يشكلوا جبهة متماسكة من كل القوى صاحبة الشأن في القضية الفلسطينية، التي لم تكن في يوم من الأيام تخص الشعب الفلسطيني وحده، وهي اليوم كذلك قضية وطنية قومية إنسانية عادلة.

مشروع ترامب لن يتوقف عند إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، وإنما سيمضي إلى أبعد من ذلك، و(ستخبرك الأيام ما كنت جاهله).. المشروع بداية طريق نهاية القضية الفلسطينية التي بدأت بخطوات قديمة معروفة للجميع، وهذه حلقة جديدة وخطيرة على طريق التصفية المأسوية لتلك القضية.

الحاجة أصبحت لا تقبل التأجيل أو التسويف، بهذه الذريعة أو تلك، بخصومات الأمس، وتباينات المواقف، الخطر المحدق بالجميع، يتطلب نقلة نوعية في أشكال المواجهة والتصدي لعدوانية الولايات المتحدة وهمجية إسرائيل.. وهذا لن يكون إلا بمشروع عربي إقليمي دولي واضح ومحدد الأهداف والوسائل.

مواجهة الإرهاب في سورية، وانتصارات قواتنا المسلحة مع القوات الحليفة والرديفة، من أهم الإنجازات في مواجهة مشروع ترامب، هزيمة الداعشية فكراً وثقافة، هي الحلقة الثانية في التصدي للمشروع التكفيري الإلغائي الذي خططت له وأشرفت على تنفيذه الإدارات الأمريكية.

العدو واحد وأهدافه باتت مكشوفة، وإلا لماذا تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتجهيز ما يسمى (الجيش السوري الجديد) ليتوجه إلى الحدود الجنوبية لسورية، وهناك سيتلقى الدعم الكامل من إسرائيل وحلفائها في المنطقة؟!

الحلقات متصلة، ومخطئ من يعتقد أنه بمعزل عن الأخطار، فالتحالف الإقليمي الدولي حاجة ملحة من أجل إحباط سياسات الولايات المتحدة التي أصابتها جبهة المقاومة بإخفاقات موجعة، وقد أثبتت الأحداث في المنطقة أن استهداف سورية بكل مكوناتها حكومة وجيشاً وشعباً ودولة، هو جزء من مخطط مرعب لتفتيت المنطقة، وبالتالي لتصفية القضية الفلسطينية، بعد ضرب العراق، وإرباك مصر، وإعاقة استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، فمن دون هذه القوى يكون من العبث الحديث عن مواجهة جادة لترامب ولغيره من القوى المأجورة، صنائع الولايات المتحدة الأمريكية.

يا رجال السياسة ويا أيها المفكرون والمثقفون وأئمة المساجد ووعّاظ الكنائس، ويا كل القوى الحرة في العالم، لنوحّد الصفوف، مترفعين عن حساسيات الماضي بكل ما فيها من تباينات وخلافات وحتى تناقضات، ولنقف صفاً واحداً أمام عدو الإنسانية، قادة الولايات المتحدة الأمريكية، المتحالفين مع الحركة الصهيونية العالمية والرجعية العربية.

 

العدد 1102 - 03/4/2024