قطر… وسياسة «أبي الفأر»

يتميز فأر الحقل الملقب ب (أبي الفأر) بميزتين اثنتين، الأولى أنه يقوم بقطع سنابل القمح الناضجة ليضعها فوق حجره بشكل هندسي جميل على شكل دائرة تشبه أشعة الشمس دون أن يكون لهذا العمل أي فائدة له، سواء كانت آنية أم مستقبلية سوى الضرر والأذى، مما يستدعي مكافحته لدرء هذا الضرر. والميزة الثانية أنه يخرج من جحره في ساعات الشروق الأولى ليعتلي صخرة مرتفعة، ويقف على قدميه رافعاً يديه إلى الأعلى، وينظر إلى ظله الذي تطاول بعيداً بشيء من الغرور بأنه كبير إلى هذا الحد. ومع ارتفاع الشمس إلى قبة السماء، يبدأ ظله بالتقلص حتى يصل إلى تحته، وتكون حرارة الشمس المحرقة قد أرغمته على العودة إلى حجره.

هاتان الميزتان اللتان تميز بهما فأر الحقل تنطبقان انطباقاً كاملاً على سياسة دويلة قطر التي يقودها الحَمَدان، والتي اتبعاها في التعامل مع الأحداث التي مرت على المنطقة العربية في السنتين الماضيتين، فتدخلت في شؤون كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية وغيرها، لتقطع في هذه البلدان سنابل الخير المليئة بحبات الحرية والديمقراطية، وتبدلها بالعنف والإرهاب والتفرقة، لا لشيء سوى حب الأذية والضرر دون أن تجني من وراء ذلك أية مكاسب آنية أو مستقبلية تنفيذاً لأجندة خارجية.

وبرز هذا الدور القطري التخريبي والمميز بشكل ظاهر وعلني في الأزمة السورية منذ بدايتها، فسارعت إلى اختطاف الجامعة العربية لتعمل من خلالها على إبعاد سورية منها، وتفعيل المكنة الإعلامية المممثلة بقناة الجزيرة، وتسويق العقوبات الاقتصادية، وطلب التدخل الخارجي على الطريقة الليبية، وتمويل الإرهاب وصفقات السلاح، واستقدام المرتزقة، ونقل الملف السوري من الجامعة إلى مجلس الأمن، وتنظيم المؤتمرات المعادية، وتصنيع القيادات.

وبلغ بها الغرور أن تخرج عن الأدب الدبلوماسي في التعامل الدولي، لتسمع أجوبة تشعرها بأنها أصغر بكثير من أن تلعب مع الكبار في ملفات دولية. دون أن تعلم أن ما تقوم بهذه السياسة بالوكالة عن قوى التآمر، تماماً كدور الخولي الذي يعمل لدى الإقطاعي حاملاً حقيقة الأموال ومحاسباً للأعمال القذرة.

إن قطر وإن حققت بعض الأهداف حسب تصورها بتطاول ظلها في بعض الدول التي تدخلت في شؤونها، إلا أنها اصطدمت بالملف السوري الذي راهنت على سقوطه في أسابيع أو أشهر قليلة. إلا أن صمود سورية يفضل وعي شعبها وبسالة جيشها، ودعم أصدقائها في وجه هذه الحرب التي شنت عليها، والمنفذة بأيدٍ تكفيرية وهابية والممولة قطرياً وخليجياً. جعل من الاندفاعة هذه تنكفئ على الصعيد السياسي رغم كل هذا الضجيج بإبعادها عن لعب أي دور. وتركها تغرد خارج السرب، عن طريق رفع سقف مطالبها رافضة القبول بالحل السياسي عن طريق الحوار، وإصرارها على تمويل الإرهاب بالمال والسلاح والرجال. أيضاً بأوامر خارجية، معتمدة على ظلها المتطاول دون أن تدرك أن الوقت قد حان لمكافحة هذا الفأر الدولي لدرء ضرره. ورغم كل هذه السياسة الرعناء والأموال المهدورة والدور المتراجع، فإن ظلها المتطاول أصبح تحتها، وإن شمس ظهيرة الأحداث أخذت تحرقها، لتعود إلى حجمها مثلما يعود (أبو الفار إلى جحره).

العدد 1140 - 22/01/2025