الأخضر ينحني… واليابس ينكسر
لا غنى للحي عن الموت والرحيل، ولا للطيور عن الهجرة من قارة إلى أخرى، ولا للزهرة عن التفّتح أو الذبول، ولا للثعالب عن خداعها، ولا للكلاب عن أذنابها ونباحها. و صعب أن نفصل نور الشمس عن نارها، والبرق عن إتماعه، والجمر عن توهّجه، والثلج عن بياضه، والقمم عن جبالها، (ومن العيب أن نضع رؤوس الكبار على أكتاف الصغار).
لكل شيء بداية، ولكل رجل نهاية، ولكل بركان وقت ينفجر فيه، ولكل عاصفة زمن تهب منه أو عليه، ولكل منتصر جائزة، ولكل خائن ضحاياه من أصحاب القلوب الطيبة والنوايا السليمة.
(ولكل جديد لذّة، ولكل جواد كبوة، ولكل رجل سعره، ولكل عالِم هفوة، ولكل عملة وجهان، ولكل فتاة خاطب، ولكل مرعى طالب، ولكل مقام مقال، ولكل شارب مقص، ولكل أسرة هيكل عظمي في خزانتها، ولكل أرض أشجارها، ولكل صحراء رمالها، ولكل مدّ جزر، ولكل لماذا لأن).
فلا يمكن للشموع أن تُعوض عن نور الفجر، ولا للأجساد القوية أن تطير من غير ريش ناعم وأجنحة وذيول تحفظ توازنها وتساعدها على التحليق عالياً.
و خُلقت الرؤوس لتكون دائماً في مقدمة الأجساد، ووُجدت الذيول لتبقى خلف أصحابها. إنما قد نجد للبعض ذيولاً تتدلى من أفواههم، ورؤوساً تقبع خلف أبدانهم. ليس كل من انحنى انكسر، ولا كل من قال فعل، ولا كل تربة صالحة لزراعة الكرز، ولا كل الثمار الحلوة قابلة للهضم، ولا كل من أكل شبع، ولا كل من شبع اكتفى، ولا كل سكون يخفي خلفه عاصفة، ولا كل بحر اضطربت أمواجه عجز الأحرار عن ولوجه، ولا كل العواصف قد تأخذ بطريقها جميع الضّعفاء أو قاطعي الطرق واللصوص!
ولا جوع العقل كجوع الجسد، ولا شبع المعدة كشبع النّفس.
ولا غنى الأحرار كغنى العبيد، ولا غنى لصحارى العالم عن رمالها، ولا للبحار والمحيطات عن أملاحها، ولا للخنازير والضباع عن رائحتها وطباعها.
وأفعى بلا ناب ليست بأفعى، وعقرب بلا ذيل ليس بعقرب، ونحلة بلا لسعة ليست بنحلة، وربيع بلا أزهار ليس بربيع، وكلب بلا نباح ليس بكلب، ونمر بلا أنياب ليس بنمر، وفجر بلا صباح ليس بفجر.
إذ إنه لا تكتمل حياة وأشكال وقوة واستمرار تلك الأحياء والأشياء من دون تلك الأجزاء المتّصلة بها والتي كانت سبب حياتها وبقائها.فمهما كانت أجساد الصقور والنسور كبيرة وقوية لا يمكنها أبداً الاستغناء عن ذيولها، ومهما اشتدّت قوة وجبروت العواصف ستبقى ضعيفة إذا لم تحمل رياحها الحصى الخفيف والرمال الناعمة.
(إن الأشياء الضعيفة تصبح باتحادها قوة جبارة).
والقوة العظيمة تكمن في الوداعة والبساطة، وقد تغلب الكلمة الحرة الجريئة الداعية إلى الحق والعدالة كلمات كثيرة من الدجل والنفاق، والماء الرقيق قد يثور يوماً، ويتحول إلى عواصف وأعاصير يعجز رجال الأرض عن الوقوف في طريقها.