أيقونات ومخطوطات طعم لنيران الحرب

الزيباوي: آثار شمال سورية الأكثر تعرضاً للضرر

الصورة التي وصلت إلى (النهار) عن الخراب في كنائس معلولا وتدمير الأيقونسطاس، باب الهيكل فيها أو حرقه، قطعت الشك باليقين في ما تعرضت له الأديرة والكنائس في بلدة معلولا، أيقونة المسيحية المشرقية وإحدى ابرز رموزها إلى جانب القدس وبيت لحم ووادي قنوبين، وغيرها من المواقع الراسخة في وجدان المسيحيين في الشرق الأوسط.

حتى الأمس كان قسم من رجالات الكنيسة يتهرب من الإجابة عما جرى في المواقع الدينية في معلولا، ويدعي أن لا تفاصيل لديه عن مصيرها، ربما حماية لها من مزيد من التشويه والتدمير الممنهج على يد من يسمّون (التكفيريين). لكن هذا النفي لا يسقط وقائع لا جدال فيها أن الأماكن الدينية المسيحية في سورية، أسوة بالأماكن الدينية الإسلامية السنية والشيعية، هي هدف للحرب الأهلية، مع ما يترتب على ذلك من خسائر تصيب التراث الإنساني.

وإذا كانت معلولا الأيقونة الأبرز في هذا الدمار، إلى جانب مساجد حلب وحمص والمقامات الدينية في دمشق، فإن ما تتناقله الأخبار عن مصير الأيقونات والمخطوطات وخصوصاً المسيحية منها تبعث على القلق. لكن المعلومات المتداولة تشير إلى قيام رجال الدين المسيحيين المتنورين بالاحتياط للتطورات والأحداث السورية، وحفظ المحتويات الفنية القيمة والثمينة من أيقونات وخلافه في أماكن آمنة، بهدف منع الضرر عنها، كما فعل مطران حلب للروم الأرثوذكس بولس يازجي الذي قام بحماية كل الأيقونات لديه قبل خطفه، كي لا يصيبها ما أصاب الأيقونات في عدد من كنائس حمص وناحيتها من تخريب وسرقة وتدمير. وعلى رغم كل ذلك تتسرب معلومات عن أعمال سطو على قسم من الأيقونات والمخطوطات والوثائق التي يتم (تسويقها) في أوربا أسوة بالآثار السورية.

ويقول أبرز الخبراء في فن الأيقونة الأستاذ الجامعي في تاريخ الفن البيزنطي محمود الزيباوي، إن أيقونات معلولا وأديرتها، على أهميتها وميزتها، ليست أيقونات استثنائية لأنها تعود إلى القرن التاسع عشر، وهي من مدرسة القدس الفنية التي ينتشر الكثير من أيقوناتها في أنحاء المشرق. ويشرح أن الكارثة الكبرى هي الخسائر التي أصابت منطقة شمال سورية الغنية بالآثار المسيحية وغيرها. ويشير تحديداً إلى ما جرى في متحف معرة النعمان الذي استولى عليه المعارضون المسلحون بعد سيطرتهم على المدينة، وكان يضم مجموعة مهمة من الآثار تعود إلى القرنين الخامس والسادس، إذ كان يضم فسيفساء من المرحلة البيزنطية، وآثاراً ومخطوطات جمعت من أنحاء شمال سورية، المنطقة الأكثر غنى بالآثار في العالم وخصوصاً الآثار المسيحية. ويقول إن أحداً لا يستطيع الجزم بما آلت إليه أحوال متحف معرة النعمان ولا متحف أفاميا وما مصير الآثار داخلهما، في ظل تنازع السيطرة عليهما مراراً بين السلطة والمعارضة المسلحة، والكلام على التخريب والسرقة مجرد كلام عام ويحتاج إلى الخبراء للتقصي عن مستوى التخريب والأذى.

يقال إن أيقونات مسروقة من كنائس سورية ومتاحفها ومنازلها تعرض بين الحين والآخر في السوق السوداء، بواسطة شبكات المهربين الذين يتذرعون بحماية الأيقونات والمخطوطات لإخراجها من سورية وترويجها لدى الراغبين، وقد عرض قسم من هذه المسروقات على بعض الخبراء في بيروت وجنيف، وهؤلاء عرضوها بدورهم على الخبير الزيباوي لتبيان صحتها وقيمتها الفنية، فتبين أن بعضها لا قيمة له، وأن بعض هذه المسروقات (الفنية) مزور وتالياً لا قيمة حقيقية له.

يحدد الخبير الزيباوي التهديد الذي أصاب المخطوطات والأيقونات المسيحية بمنطقة شمال سورية، ويشرح أن الكنائس في منطقة الجزيرة (الحسكة والقامشلي وغيرها من المناطق المأهولة بالسريان والآشوريين والكلدان وغيرها)، إنما قامت كنائسها الجديدة على أنقاض القديمة، ولم تكن فيها تلك الأيقونات المهمة. وفي رأيه أن الخطر والأذى لم يلحق الأيقونات، فحسب بل المخطوطات المحفوظة التي تشكل مصدراً مهماً لدرس التاريخ، ويشكل حفظها تقليداً لدى رجال الكنيسة، و(هناك الكثير من الأمور والوثائق تحتاج إلى دراسة).

 

عن (النهار)

العدد 1140 - 22/01/2025